ثم خوَّفهما أيضاً بحالةٍ تشقُّ على النساء غاية المشقَّة، وهو الطلاق، الذي هو أكبر شيءٍ عليهنَّ، فقال: {عسى ربُّه إن طَلَّقَكُنَّ أن يُبْدِلَه أزواجاً خيراً منكنَّ}؛ أي: فلا ترفعْنَ عليه؛ فإنَّه لو طلَّقكنَّ لا يضيق عليه الأمر، ولم يكن مضطراً إليكنَّ؛ فإنَّه سيجد ويبدله الله أزواجاً خيراً منكنَّ ديناً وجمالاً، وهذا من باب التعليق الذي لم يوجد ولا يلزمُ وجودُه؛ فإنَّه ما طلقهنَّ، ولو طلَّقهنَّ؛ لكان ما ذكره الله من هذه الأزواج الفاضلات، الجامعات بين الإسلام وهو القيام بالشرائع الظاهرة، والإيمان وهو القيام بالشرائع الباطنة من العقائد وأعمال القلوب، والقنوت وهو دوام الطاعة واستمرارها. {تائباتٍ}: عمَّا يكرهه الله، فوصفهنَّ بالقيام بما يحبُّه الله والتوبة عما يكرهه الله. {ثيباتٍ وأبكاراً} ؛ أي: بعضهنَّ ثَيِّبٌ وبعضهنَّ أبكارٌ؛ ليتنوَّع - صلى الله عليه وسلم - فيما يحبُّ. فلمَّا سمعن رضي الله عنهنَّ هذا التخويف والتأديب؛ بادرنَ إلى رضا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان هذا الوصف منطبقاً عليهنَّ، فصرن أفضل نساء المؤمنين. [وفي هذا دليلٌ على أنّ اللهَ تعالى لا يختار لرسوله إلاَّ أكملَ الأحوال وأعلى الأمورِ، فلمّا اختار اللهُ لرسوله بقاء نسائه المذكورات معه دلَّ على أنهنَّ خيرُ النساء وأكملهن].