ولهذا قال: {وإنَّك لَعلى خُلُقٍ عظيم}؛ أي: عليًّا به، مستعلياً بخُلُقك الذي مَنَّ الله عليك به. وحاصل خُلُقِهِ العظيم ما فسَّرته به أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها لمن سألها عنه، فقالت: كان خلقه القرآن. وذلك نحو قوله تعالى: {خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بالعُرْفِ وأعرِضْ عن الجاهلينَ}، {فبما رحمةٍ من الله لِنتَ لهم ... } الآية، {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسِكُم عزيزٌ عليه ما عَنِتُم ... } الآية، وما أشبه ذلك من الآيات الدالاَّت على اتِّصافه - صلى الله عليه وسلم - بمكارم الأخلاق، والآيات الحاثَّات على كلِّ خُلُقٍ جميل ، فكان له منها أكملها وأجلها، وهو في كلِّ خصلة منها في الذَّروة العليا، فكان [- صلى الله عليه وسلم -] سهلاً ليناً قريباً من الناس، مجيباً لدعوة مَنْ دعاه، قاضياً لحاجة من استقضاه، جابراً لقلب مَنْ سأله لا يحرمه ولا يردُّه خائباً. وإذا أراد أصحابُهُ منه أمراً؛ وافقهم عليه وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذورٌ، وإن عَزَمَ على أمرٍ؛ لم يستبدَّ به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبلُ من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشِرُ جليساً إلاَّ أتمَّ عشرةٍ وأحسنها، فكان لا يعبسُ في وجهه، ولا يُغْلِظُ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فَلَتات لسانِهِ، ولا يؤاخذه بما يصدُرُ منه من جفوةٍ، بل يُحْسِنُ إليه غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال - صلى الله عليه وسلم -.