فقالت لهم الملائكة: {ادخُلوا في أمم}؛ أي: في جملة أمم {قد خلت من قبلكم من الجنِّ والإنس}؛ أي: مضوا على ما مضيتم عليه من الكفر والاستكبار، فاستحق الجميعُ الخزيَ والبوارَ. {كلَّما دخلتْ أمةٌ}: من الأمم العاتية النار، {لعنتْ أختَها}؛ كما قال تعالى: {ويومَ القيامةِ يكفُرُ بعضُكم ببعضٍ ويلعنُ بعضكم بعضاً}، {حتَّى إذا ادَّاركوا فيها جميعاً}؛ أي: اجتمع في النار جميع أهلها من الأولين والآخرين والقادة والرؤساء والمقلِّدين الأتباع، {قالت أخراهم}؛ أي: متأخروهم المتبعون للرؤساء، {لأولاهم}: أي: لرؤسائهم شاكين إلى الله إضلالهم إياهم: {ربَّنا هؤلاء أضلُّونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار}؛ أي: عذِّبْهم عذاباً مضاعفاً لأنَّهم أضلُّونا وزينوا لنا الأعمال الخبيثة. فقالت {أولاهم لأخراهم}؛ أي: الرؤساء قالوا لأتباعهم: {فما كان لكم علينا من فضل}؛ أي: قد اشتركنا جميعاً في الغيِّ والضلال، وفي فعل أسباب العذاب؛ فأيُّ فضلٍ لكم علينا؟ {قال} اللَّه: {لكلٍّ} منكم {ضعفٌ}: ونصيب من العذاب، {فذوقوا العذاب بما كنتم تكسِبونَ}: ولكنه من المعلوم أن عذاب الرؤساء وأئمة الضلال أبلغُ وأشنعُ من عذاب الأتباع؛ كما أنَّ نعيم أئمة الهدى ورؤسائه أعظم من ثواب الأتباع؛ قال تعالى: {الذين كَفَروا وصدُّوا عن سبيل اللهِ زِدْناهم عذاباً فوق العذابِ بما كانوا يُفْسِدون}. فهذه الآيات ونحوها دلَّت على أن سائر أنواع المكذبين بآيات الله مخلَّدون في العذاب مشتركون فيه وفي أصله، وإن كانوا متفاوتين في مقداره بحسب أعمالهم وعنادهم وظلمهم وافترائهم وأن مودتهم التي كانت بينَهم في الدُّنيا تنقلب يوم القيامة عداوةً وملاعنةً.