سورة الأعراف تفسير السعدي الآية 43

وَنَزَعۡنَا مَا فِی صُدُورِهِم مِّنۡ غِلࣲّ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی هَدَىٰنَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِیَ لَوۡلَاۤ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَاۤءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ ۖ وَنُودُوۤاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ﴿٤٣﴾

تفسير السعدي سورة الأعراف

{ونزعنا ما في صُدورهم من غِلٍّ}: وهذا من كرمه وإحسانِهِ على أهل الجنة؛ أنَّ الغلَّ الذي كان موجوداً في قلوبهم والتنافس الذي بينهم أن الله يقلعه ويزيله حتى يكونوا إخواناً متحابِّين وأخلاَّء متصافين؛ قال تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً على سُرُرٍ متقابلينَ}، ويخلُقُ الله لهم من الكرامة ما به يحصُلُ لكلِّ واحد منهم الغِبْطَةَ والسرور، ويرى أنه لا فوق ما هو فيه من النعيم نعيمٌ؛ فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض؛ لأنه قد فقدت أسبابه. [و] قوله: {تجري من تحتهم الأنهار}؛ أي: يفجِّرونها تفجيراً حيث شاؤوا وأين أرادوا، إن شاؤوا في خلال القصور أو في تلك الغرف العاليات أو في رياض الجنات من تحت تلك الحدائق الزاهرات، أنهار تجري في غير أخدود، وخيراتٌ ليس لها حدٌّ محدودٌ. {و} لهذا لما رأوا ما أنعم الله عليهم وأكرمهم به؛ {قالوا الحمدُ لله الذي هدانا لهذا}: بأن منَّ علينا وأوحى إلى قلوبنا فآمنت به وانقادتْ للأعمال الموصلةِ إلى هذه الدار، وحفظ الله علينا إيماننا وأعمالَنا حتى أوصَلَنا بها إلى هذه الدار، فنعم الربُّ الكريم الذي ابتدأنا بالنعم، وأسدى من النعم الظاهرة والباطنة ما لا يحصيه المحصون ولا يعدُّه العادُّون. {وما كنَّا لنهتديَ لولا أن هدانا الله}؛ أي: ليس في نفوسنا قابليةٌ للهدى، لولا أنَّه تعالى منَّ بهدايته واتِّباع رسله، {لقد جاءت رسُلُ ربِّنا بالحق}؛ أي: حين كانوا يتمتَّعون بالنعيم الذي أخبرت به الرسل وصار حقَّ يقينٍ لهم بعد أن كان علم يقينٍ لهم قالوا: لقد تحقَّقنا ورأينا ما وعدتنا به الرسلُ وأنَّ جميع ما جاؤوا به حقُّ اليقين لامِرْيَةَ فيه ولا إشكال. {ونودوا}: تهنئةً لهم وإكراماً وتحية واحتراماً {أن تِلْكُمُ الجنة أورثتموها}؛ أي: كنتم الوارثين لها، وصارت إقطاعاً لكم إذ كان إقطاع الكفار النار، أورثتموها {بما كنتم تعملونَ}: قال بعضُ السلف: أهل الجنة نَجَوْا من النار بعفو الله، وأدخلوا الجنة برحمة الله، واقتسموا المنازل، وورثوها بالأعمال الصالحة، وهي من رحمته، بل من أعلى أنواع رحمته.