أي: ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة حين يبلغُ منهم العذابُ كلَّ مبلغ وحين يمسُّهم الجوع المفرط والظمأ الموجع؛ يستغيثون بهم فيقولون: {أفيضوا علينا من الماءِ أو ممَّا رزقكم الله}: من الطعام، فأجابهم أهل الجنة بقولهم: {إنَّ الله حرَّمَهما}؛ أي: ماء الجنة وطعامها {على الكافرين}: وذلك جزاء لهم على كفرهم بآيات الله واتخاذهم دينهم الذي أُمروا أن يستقيموا عليه ووُعدوا بالجزاء الجزيل عليه {لهواً ولعباً}؛ أي: لهت قلوبهم وأعرضت عنه ولعبوا واتَّخذوه سخريًّا، أو أنهم جعلوا بدل دينهم اللهو واللعب، واستعاضوا بذلك عن الدين القيم، {وغرَّتْهم الحياة الدنيا}: بزينتها وزخرفها وكثرة دعاتِها، فاطمأنوا إليها ورضوا بها وفرحوا وأعرضوا عن الآخرة ونسوها. {فاليوم ننساهم}؛ أي: نتركهم في العذاب، {كما نسوا لقاء يومهم هذا}: فكأنهم لم يُخْلقوا إلا للدُّنيا، وليس أمامهم عرض ولا جزاء، {وما كانوا بآياتنا يجحدون}: والحال أن جحودهم هذا لا عن قصور في آيات الله وبيِّناته، بل قد {جئناهم بكتابٍ فصَّلْناه}؛ أي: بينا فيه جميع المطالب التي يحتاج إليها الخلق {على علم}؛ من الله بأحوال العباد في كل زمان ومكان، وما يصلُحُ لهم وما لا يصلُحُ ليس تفصيله تفصيل غير عالم بالأمور، فتجهله بعض الأحوال فيحكم حكماً غير مناسب، بل تفصيل من أحاط علمه بكل شيء ووسعتْ رحمتُهُ كلَّ شيء. {هدىً ورحمةً لقوم يؤمنون}؛ أي: تحصل للمؤمنين بهذا الكتاب الهداية من الضلال وبيان الحق والباطل والغي والرشد، ويحصُل أيضاً لهم به الرحمة، وهي الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، فينتفي عنهم بذلك الضلال والشقاء.