وهؤلاء الذين حقَّ عليهم العذاب لم يؤمنوا بهذا الكتاب العظيم ولا انقادوا لأوامره ونواهيه، فلم يبق فيهم حيلة إلاَّ استحقاقُهم أن يحلَّ بهم ما أخبر به القرآن، ولهذا قال: {هل ينظُرون إلا تأويلَه}؛ أي: وقوع ما أخبر به؛ كما قال يوسف عليه السلام حين وقعت رؤياه: {هذا تأويلُ رؤيايَ مِن قَبْلُ}. {يومَ يأتي تأويلُهُ يقول الذين نسوه من قبل}: متندِّمين متأسِّفين على ما مضى متشفِّعين في مغفرة ذنوبهم مقرِّين بما أخبرت به الرسل: {قد جاءت رُسُلُ ربِّنا بالحقِّ فهل لنا من شفعاءَ فيشفعوا لنا أو نُردُّ}: إلى الدنيا؛ {فنعملَ غير الذي كُنَّا نعملُ}: وقد فات الوقتُ عن الرُّجوع إلى الدنيا؛ فما تنفعُهم شفاعة الشافعين. وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا ليعملوا غيرَ عملهم كذبٌ منهم، مقصودُهم به دفعُ ما حلَّ بهم؛ قال تعالى: {ولو رُدُّوا لَعادوا لِما نُهوا عنه وإنَّهم لَكاذبونَ}. {قد خسروا أنفسَهم}: حين فوَّتوها الأرباحَ وسَلَكوا بها سبيل الهلاك، وليس ذلك كخسران الأموال والأثاث أو الأولاد، إنما هذا خسرانٌ لا جُبْرانَ لمصابِهِ. {وضلَّ عنهم ما كانوا يفترونَ}: في الدُّنيا مما تُمَنِّيهم أنفسُهم به، ويعدُهم به الشيطان، قدموا على ما لم يكن لهم في حساب، وتبيَّن لهم باطلهم وضلالهم، وصدق ما جاءتهم به الرسل.