سورة الأعراف تفسير مجالس النور الآية 190

فَلَمَّاۤ ءَاتَىٰهُمَا صَـٰلِحࣰا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَاۤءَ فِیمَاۤ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ ﴿١٩٠﴾

تفسير مجالس النور سورة الأعراف

المجلس الرابع والسبعون: تلخيص وتوجيهات ختاميَّة


من الآية (189- 206)


تضمَّنَت خواتيم سورة الأعراف النقاط القوية التي تُلخِّص رسالةَ السورة من أولها إلى آخرها:
أولًا: التذكير بقصة الخلق الأولى وما تضمَّنَته من درسٍ عميقٍ في التوحيد الذي هو أساس الدين وركنه الأول والأهم ﴿۞ هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰ⁠حِدَةࣲ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِیَسۡكُنَ إِلَیۡهَاۖ﴾، ﴿فَلَمَّاۤ ءَاتَىٰهُمَا صَـٰلِحࣰا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَاۤءَ فِیمَاۤ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ﴾.
ثانيًا: مناقشة المشركين واعتقاداتهم الباطلة في معنى الألوهية، وتصوراتهم الخاطئة عن علاقة الخالق بالمخلوق ﴿أَیُشۡرِكُونَ مَا لَا یَخۡلُقُ شَیۡـࣰٔا وَهُمۡ یُخۡلَقُونَ ﴿١٩١﴾وَلَا یَسۡتَطِیعُونَ لَهُمۡ نَصۡرࣰا وَلَاۤ أَنفُسَهُمۡ یَنصُرُونَ﴾، ﴿فَٱدۡعُوهُمۡ فَلۡیَسۡتَجِیبُواْ لَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ﴾.
ثالثًا: الحذر من الشيطان وتلبيساته ووسوساته ﴿وَإِمَّا یَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ نَزۡغࣱ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِیعٌ عَلِیمٌ ﴿٢٠٠﴾ إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰۤىِٕفࣱ مِّنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ﴾.
والمناسبة هنا أن الشيطان هو الذي أضلَّ أبَوَينا حتى أكلا من الشجرة المحرمة، وهذا هو ديدَن الشيطان مع ذريَّة آدم حتى يرِثَ الله الأرض ومن عليها.
رابعًا: التمسُّك بالقرآن الكريم، فهو العاصِم من مكائِد الشيطان ﴿قُلۡ إِنَّمَاۤ أَتَّبِعُ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیَّ مِن رَّبِّیۚ هَـٰذَا بَصَاۤىِٕرُ مِن رَّبِّكُمۡ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ ﴿٢٠٣﴾ وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾.
خامسًا: الذكر المستمر، وبناء الروح القوية بالله، الموصولة بمعرفته والمتسامية على دناءات الدنيا ومستنقع شهواتها وآثامها ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰۤىِٕفࣱ مِّنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ﴾، ﴿وَٱذۡكُر رَّبَّكَ فِی نَفۡسِكَ تَضَرُّعࣰا وَخِیفَةࣰ وَدُونَ ٱلۡجَهۡرِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡغَـٰفِلِینَ﴾.
سادسًا: السجود لله وحده والذي هو رمز للتوحيد والخضوع العملي لله الخالق العليِّ العظيم ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ عِندَ رَبِّكَ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَیُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ یَسۡجُدُونَ ۩﴾ في تذكير بالمعصية الأولى في قصة الخلق؛ حيث تكبَّر إبليس ورفَضَ الخضوع لأمر الله، بينما كان الملائكة ولا يزالون ﴿لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَیُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ یَسۡجُدُونَ ۩﴾ والإنسان مخيَّر بين أن يسلك طريق الملائكة أو يسلك طريق الشيطان، وهو يتحمل مسؤولية خياره وقراره.


﴿۞ هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰ⁠حِدَةࣲ﴾ آدم عليه السلام.
﴿وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا﴾ حواء، خلقها الله من ضلع آدم.
﴿لِیَسۡكُنَ إِلَیۡهَاۖ﴾ ليستقر ويشعر بالراحة والطمأنينة، وهذا هو دور كلِّ امرأة مع زوجها، وقد أعطاها الله من الخصائص ما يؤهِّلها للقيام بهذا الدور، الذي يُضيف على الحياة قيمة نفسيَّة وجماليَّة أرقى بكثير من تلك القيم المادية الجامدة.
﴿فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا﴾ تعبيرٌ عن الجماع.
﴿فَلَمَّاۤ أَثۡقَلَت﴾ كبر الحمل الذي في بطنها.
﴿لَىِٕنۡ ءَاتَیۡتَنَا صَـٰلِحࣰا﴾ مولودًا سليمًا ومعافى من كلِّ نقصٍ ومرضٍ.
﴿فَلَمَّاۤ ءَاتَىٰهُمَا صَـٰلِحࣰا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَاۤءَ فِیمَاۤ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ﴾ انتقال والتفات إلى حال المشركين من ذريَّة آدم الذين يُعطيهم الله الأولاد الصالحين، ثم يشركون فيهم أصنامهم بالتسمية؛ كعبد العزى، وعبد اللات، وبالنذور والقرابين ونحوها.
والالتفات ظاهر في السياق الآتي كلِّه، فهو مناقشةٌ لعقيدة الشرك الصارخة والمتغلغلة في نفوس المشركين، ولا يمكن أن يكون الخطاب في كلِّ هذا موجَّهًا لآدم وحواء، فهما قطعًا لم يكونا من المشركين.
﴿أَلَهُمۡ أَرۡجُلࣱ یَمۡشُونَ بِهَاۤۖ أَمۡ لَهُمۡ أَیۡدࣲ یَبۡطِشُونَ بِهَاۤۖ أَمۡ لَهُمۡ أَعۡیُنࣱ یُبۡصِرُونَ بِهَاۤۖ أَمۡ لَهُمۡ ءَاذَانࣱ یَسۡمَعُونَ بِهَاۗ﴾ بيان لعجز الأصنام ونقصها قياسًا بما لدى البشر الذين يعبدونها، فالمشركون يستطيعون المشي والبطش والبصر والسمع، فهم أقوى وأقدر من أصنامهم.
﴿فَلَا تُنظِرُونِ﴾ لا تؤخِّروني أو تُمهِلُوني.
﴿إِنَّ وَلِـِّۧیَ ٱللَّهُ﴾ الذي ينصُرُني ويؤيدني.
﴿وَتَرَىٰهُمۡ یَنظُرُونَ إِلَیۡكَ وَهُمۡ لَا یُبۡصِرُونَ﴾ فعيون الأصنام مفتوحة كأنها تنظر لكنها لا تنظر؛ لأنها منحوتة بأيدي البشر، وليست عيونًا حقيقةً كتلك التي خلقها الله في البشر، ولا يبعُد في السياق أن يكون المقصود المشركين أنفسهم، فهم ينظرون إليك يا محمَّد لكنهم لا يُبصِرُون الحقَّ الذي معك.
﴿خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ﴾ صفتان للداعية الناجح؛ يأخذ بالعفو حلمًا وتكرُّمًا وتغافلًا عن سوءات الناس ومثالِبهم، ويأمر بالعُرف، أي: المعروف الذي هو كلُّ طيِّبٍ من قولٍ وعملٍ وسلوكٍ، والسياق بعيد عن معنى الصدقة، وأن المقصود أخذ العفو من أموال الناس، وهو الزائد عن حاجتهم، وإن ورَدَ هذا المعنى في سياقٍ وموضعٍ آخر، والله أعلم.
﴿وَإِمَّا یَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ نَزۡغࣱ﴾ دافعٌ يدفعك للشرِّ والمعصية من وسوسةٍ وفتنةٍ وتزيينٍ للباطل.
﴿فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ﴾ اطلب الحماية منه سبحانه، ولا تغترَّ بما عندك من علمٍ وتعبُّدٍ.
﴿طَـٰۤىِٕفࣱ مِّنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ﴾ عارِض من الوسوسة والأفكار السيئة.
﴿تَذَكَّرُواْ﴾ الحقائق الإيمانيَّة بذكرهم لله وتلاوتهم للقرآن واستِذكارهم لما هم فيه من نعمة الطاعة وأُنس المناجاة.
﴿وَإِخۡوَ ٰ⁠نُهُمۡ یَمُدُّونَهُمۡ فِی ٱلۡغَیِّ﴾ الشياطين يمدُّون إخوانهم المشركين بما يدفعهم أكثر نحو الضلال والجريمة والتمسك بالعادات السيئة.
﴿وَإِذَا لَمۡ تَأۡتِهِم بِـَٔایَةࣲ قَالُواْ لَوۡلَا ٱجۡتَبَیۡتَهَاۚ﴾ يطلبون الآيات على هواهم، فإن لم تأت كذلك لامُوا النبيَّ كأنه هو من ينزِّل الآيات، وكذلك يفعل أهل الباطل مع علماء الدين، يطلبون الفتاوى على مقاييسهم، فإن تمسَّك العلماء بما عندهم من الحقِّ لامُوهم وعاقبوهم وحاربوهم.
﴿تَضَرُّعࣰا وَخِیفَةࣰ﴾ تذلُّلًا لله، وتقرُّبًا إليه، وخوفًا منه.
﴿وَدُونَ ٱلۡجَهۡرِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ﴾ في القرآن أو الدعاء أو الذكر بأنواعه، فيكفي الصوت المفهوم دون الصراخ والصياح الذي لا مُوجِبَ له.
﴿بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ﴾ بداية النهار وآخره، وفيه الإشارة للمداومة وترك الانقطاع.
﴿وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡغَـٰفِلِینَ﴾ فمن لم يذكُر الله فهو غافِل.
﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ عِندَ رَبِّكَ﴾ الملائكة.