{ومَن يُوَلِّهِم يومئذٍ دُبُرَهُ إلا متحرِّفاً لقتال أو متحيِّزاً إلى فئةٍ فقد باء}؛ أي: رجع {بغضبٍ من الله ومأواه}؛ أي: مقره {جهنَّم وبئس المصير}. وهذا يدلُّ على أن الفرار من الزحف من غير عذرٍ من أكبر الكبائر؛ كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة ، وكما نصَّ هنا على وعيده بهذا الوعيد الشديد. ومفهوم الآية أن المتحرِّف للقتال ـ وهو الذي ينحرفُ من جهة إلى أخرى ليكون أمكن له في القتال وأنكى لعدوِّه ـ فإنه لا بأس بذلك؛ لأنه لم يولِّ دُبُرَهُ فارًّا، وإنما ولَّى دُبُره ليستعلي على عدوِّه أو يأتيه من محلٍّ يصيب فيه غِرَّته أو ليخدِعَه بذلك أو غير ذلك من مقاصد المحاربين. وأن المتحيِّز إلى فئةٍ تمنعه وتعينه على قتال الكفار؛ فإنَّ ذلك جائزٌ؛ فإن كانت الفئة في العسكر؛ فالأمر في هذا واضح، وإن كانت الفئة في غير محلِّ المعركة؛ كانهزام المسلمين بين يدي الكافرين والتجائهم إلى بلد من بلدان المسلمين أو إلى عسكرٍ آخر من عسكر المسلمين؛ فقد ورد من آثار الصحابة ما يدلُّ على أنَّ هذا جائزٌ، ولعلَّ هذا يقيَّدُ بما إذا ظنَّ المسلمون أنَّ الانهزام أحمدُ عاقبة وأبقى عليهم، أما إذا ظنُّوا غلبتهم للكفار في ثباتهم لقتالهم؛ فيبعد في هذه الحال أن تكون من الأحوال المرخَّص فيها؛ لأنه على هذا لا يتصوَّر الفرار المنهيُّ عنه. وهذه الآية مطلقةٌ، وسيأتي في آخر السورة تقييدها بالعدد.