﴿یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ﴾ الغنائم، واحدها النَّفل وهو الزيادة؛ وسمِّيت بذلك لأنها زيادة على المقصود من الحرب، ف
النصر أساسٌ والنفلُ زيادةٌ، والله أعلم.
والفعل (سأل) إذا عُدِّي بنفسه كان معناه: طلب الشيء، وإذا عُدِّيَ بـ (عَن) كان معناه: طلب العلم به، والصحابة لم يسألوا
الأنفالَ، وإنما سألوا عن حُكمها، وهذا هو دَأبُهم في كل ما يستجد لهم.
﴿قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ﴾ أمرها لله، وتنفيذ الأمر موكول لرسول الله
ﷺ، كأنه أراد تأخيرَ بيان الحكم حتى تستقرَّ الأسس المتينة للتربية الجهاديَّة، والتأخير بحدِّ ذاته تربية وتزكية للنفوس، تسمو بها عن الاهتمام بحطام الدنيا وغنائمها إلى معالي الأمور المتعلقة بأصل البعثة، والغاية الجليلة لهذه الرسالة.
﴿وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَیۡنِكُمۡۖ﴾ أمر بإصلاح العلاقة بين المؤمنين، وفيه الإشارة إلى أن التعلق بحطام الدنيا سبب لفساد العلاقة بين الناس.
﴿وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ﴾ تعظيمًا لله، وهذا واحدٌ من الأعمال القلبيَّة الجليلة المنبثقة عن الإيمان.
﴿زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا﴾ الإيمان واحد، لكنَّ حضوره في القلب متفاوت، وآثاره في الخُلق الباطن والسلوك الظاهر متفاوتة أيضًا، وبقدر ذكر الله وتدبُّر آياته يكون المؤمن أقدَرَ على استحضار الإيمان وجَنْي ثماره المرجوَّة.
﴿وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ﴾ ذِكْر الإنفاق عقب الحديث عن الغنائم فيه دلالة تربويَّة دقيقة لا تخفى على متدبِّر.
﴿أُوْلَــٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقࣰّاۚ﴾ هم المؤمنون الصادقون الذين تظهر عليهم آثار الإيمان.
﴿كَمَاۤ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَیۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ﴾ أخرجك من المدينة إلى مياه بدر.
﴿وَإِنَّ فَرِیقࣰا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ لَكَـٰرِهُونَ﴾ كارهون لمواجهة قريش من دون إعداد واستعداد؛ حيث إن كثيرًا منهم قد خرجوا لاعتراض القافلة فلم يأخذوا أُهبَتَهم للقتال الحقِّ.
﴿یُجَـٰدِلُونَكَ فِی ٱلۡحَقِّ بَعۡدَ مَا تَبَیَّنَ كَأَنَّمَا یُسَاقُونَ إِلَى ٱلۡمَوۡتِ﴾ لضعف استعدادهم؛ ولأنها أول مواجهة لهم، وهذه من صفات النفس البشرية، لكنها صورة تقابلها صورة أخرى عبَّر عنها أشدَّاءُ الصحابة ، كما هو مُفصَّلٌ في كتب السيرة، كمقولة سعد والمقداد وغيرهما.
﴿إِحۡدَى ٱلطَّاۤىِٕفَتَیۡنِ﴾ العير أو النفير.
﴿غَیۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ﴾ العير؛ لأنها غنيمة سهلة، والشوكة: القوة.
﴿وَیَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ﴾ آخرهم، ويعني استئصال الكفر من الجزيرة، وقد تحقق بالفعل كما أخبر سبحانه.
﴿إِذۡ تَسۡتَغِیثُونَ رَبَّكُمۡ﴾ بعد التردُّد والمجادلة، لجأ المسلمون إلى الله، وهذا هو دأب المسلم الحقِّ؛ يسأل ويناقش ويجادل، فإذا عزم الأمر انتهى كلُّ شيء، وباشر بالتنفيذ مع الاستعانة بالله، فهو مصدر كلِّ قوة.
﴿مُرۡدِفِینَ﴾ مددًا وسندًا لكم، فالصحابة أصلُ الجيش، والملائكة تبعٌ لهم، كما يتبع الرديف صاحبه، وهذا أَولَى من تفسيره بالمُتتابِعِين، والله أعلم.
﴿وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ وَلِتَطۡمَىِٕنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمۡۚ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ﴾ لأن الإنسان يأنَس بالأسباب ويطمئن لها، كما يأنَس الظمآن بالماء، وهذه فطرة لا تعارض أصل الإيمان.
﴿إِذۡ یُغَشِّیكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةࣰ مِّنۡهُ﴾ فلا ينعس في وقت الشدَّة إلا من اطمأنَّ قلبُه، فالنعاس دليل الاطمئنان، وهو كذلك يعيدُ للجسم نشاطَه، بخلاف الذي يبقى ساهرًا قلِقًا على وتيرةٍ واحدةٍ.
﴿وَیُنَزِّلُ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ لِّیُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَیُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ﴾ من مؤيدات الله أيضًا لتلك الثلَّة المباركة؛ حيث أذهب عنهم بماء السماء ما علِقَ بهم من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، فتطهروا وابتهجوا، ولا شكَّ أن هذا الاستبشار والابتهاج بنزول الغيث يترك أثَرَه الطيب في النفوس، ويُسهِم بتنظيف القلوب من وساوِسِ الشيطان وكدوراته.
﴿فَٱضۡرِبُواْ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُواْ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانࣲ﴾ تعليم للملائكة؛ لأنهم لم يكونوا على علم بقتال الآدميين، وفيه إشارة إلى ضرب مكامن الخطر؛ الرأس الذي هو مصدر القرار، واليد التي هي مقبض السلاح، بلا مُثْلة ولا تمزيق للجسد؛ لأن هذه كلها من بواعث التشفي والحقد الكريه، وليست من أخلاق المؤمنين.
﴿فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ﴾ أي: لا تنهزموا وتُعطُوا الأعداء ظهوركم.
﴿إِلَّا مُتَحَرِّفࣰا لِّقِتَالٍ﴾ استثناءٌ أول من النهي، وهو صورة المقاتل الذي يفرُّ ويكرُّ، ويتنقل في الميدان بحسب ما تقتضيه ضرورة المعركة.
﴿أَوۡ مُتَحَیِّزًا إِلَىٰ فِئَةࣲ﴾ استثناءٌ ثانٍ، وصورته الانسحاب من المعركة إلى مكان يحتشد فيه المسلمون لتنظيم صفوفهم، فهذا وذاك من الصور المشروعة التي لا تدخل في النهي، وهما يصلُحان للقياس في كلِّ ما ظاهره الفرار، وقصده النكاية بالعدوِّ، والله أعلم.
﴿فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ﴾ لأن الله هو الذي أعطاكم القوة، وأيَّدَكم بأسباب الثبات والنصر.
﴿وَمَا رَمَیۡتَ إِذۡ رَمَیۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ﴾ النفي ليس مسلَّطًا على أصل الرمي، فالرمي قد حصل منه
ﷺ لكنه مسلَّط على آثاره، فالآثار التي ترتَّبَت على هذا الرمي كانت بالتدخُّل الرباني وليس بصورة الرمي الظاهرة، فالتراب الذي ألقاه عليهم رسول الله
ﷺ لم يكن ليصِلَ إلى عيونهم لولا إرادة الله وحده.
﴿وَلِیُبۡلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡهُ بَلَاۤءً حَسَنًاۚ﴾ إشارة إلى أن كلَّ نعمةٍ في هذه الدنيا تحمِلُ معنى الابتلاء؛ فالصحة ابتلاء، والغنى ابتلاء، و
النصر ابتلاء، لكنها ابتلاءات حسنة؛ لما فيها من نعيم وبهجة ولذَّة، بخلاف المرض والفقر والنكبة، والعاقبة في كلِّ ذلك لمن صبَرَ وشكَرَ.
﴿مُوهِنُ كَیۡدِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ﴾ مضعفهم وذاهب بقوتهم ومكرهم.
﴿إِن تَسۡتَفۡتِحُواْ فَقَدۡ جَاۤءَكُمُ ٱلۡفَتۡحُۖ﴾ الخطاب للمشركين على صيغة التهكُّم، والفتح:
النصر والغلبة والسيادة، وهذا هو الذي قصَدُوه من الحرب بعد نجاة قافلتهم.
﴿وَإِن تَعُودُواْ نَعُدۡ﴾ إن عُدتم لمحاربة النبي
ﷺ عُدنا لمناصرته، وفيه إشارة أن مَن عادى رسول الله
ﷺ فهو مخذولٌ لا محالة عاجلًا أو آجلًا.