يقول تعالى: {كلاَّ إنَّها تذكرةٌ}: أي: حقًّا إنَّ هذه الموعظة تذكرةٌ من الله يُذَكِّر بها عباده ويبيِّن لهم في كتابه ما يحتاجون إليه ويبيِّن الرُّشد من الغيِّ؛ فإذا تبيَّن ذلك؛ {فَمْن شاء ذَكَرَه}؛ أي: عمل به؛ كقوله تعالى: {وقلِ الحقُّ مِن ربِّكم فَمَن شاء فَلْيُؤْمِن ومَن شاءَ فَلْيَكْفُر}. ثم ذكر محلَّ هذه التذكرة وعظمها ورفع قدرها، فقال: {في صحفٍ مكرمةٍ. مرفوعةٍ}: القدر والرتبة، {مُطَهَّرَةٍ}: من الآفات وعن أن تنالها أيدي الشياطين أو يسترقوها، بل هي {بأيدي سفرةٍ}: وهم الملائكة الذين هم سفراء بين الله وبين عباده، {كرامٍ}؛ أي: كثيري الخير والبركة، {بَرَرةٍ}: قلوبهم وأعمالهم. وذلك كلُّه حفظٌ من الله لكتابه؛ أن جعل السفراء فيه إلى الرسل الملائكة الكرام الأقوياء الأتقياء، ولم يجعلْ للشياطين عليه سبيلاً، وهذا مما يوجب الإيمان به وتلقِّيه بالقَبول.