وأمَّا مَن أنصف وكان مقصودُه الحقَّ المبين؛ فإنَّه لا يكذِّب بيوم الدين؛ لأنَّ الله قد أقام عليه من الأدلَّة القاطعة والبراهين [الساطعة] ما يجعله حقَّ اليقين ، وصار لبصائرهم بمنزلة الشمس للأبصار؛ بخلاف مَنْ ران على قلبه كسبُه وغطَّتْه معاصيه؛ فإنَّه محجوبٌ عن الحقِّ، ولهذا جوزي على ذلك بأن حُجِبَ عن الله كما حُجِبَ قلبُه [في الدنيا] عن آيات الله. {ثم إنَّهم}: مع هذه العقوبة البليغة، {لصالو الجحيم. ثم يقالُ}: لهم توبيخاً وتقريعاً: {هذا الذي كنتُم به تكذِّبونَ}: فذكر لهم ثلاثة أنواع من العذاب: عذاب الجحيم، وعذاب التوبيخ واللوم، وعذاب الحجاب عن ربِّ العالمين، المتضمِّن لسخطه وغضبه عليهم، وهو أعظم عليهم من عذاب النار. ودلَّ مفهومُ الآية على أنَّ المؤمنين يرون ربَّهم يوم القيامة، وفي الجنة، ويتلذَّذون بالنَّظر إليه أعظم من سائر اللَّذَّات ويبتهجون بخطابه ويفرحون بقربه؛ كما ذكر الله ذلك في عدَّة آيات من القرآن، وتواتر فيه النقل عن رسول الله. وفي هذه الآيات التَّحذير من الذُّنوب؛ فإنَّها ترين على القلب وتغطِّيه شيئاً فشيئاً، حتى ينطمسَ نورُه وتموتَ بصيرتُه، فتنقلب عليه الحقائق، فيرى الباطل حقًّا والحقَّ باطلاً. وهذا من أعظم عقوبات الذُّنوب.