{قُتِلَ أصحابُ الأخدود}: وهذا دعاءٌ عليهم بالهلاك، والأخدودُ الحُفَرُ التي تُحْفَرُ في الأرض، وكان أصحابُ الأخدود هؤلاء قوماً كافرين، ولديهم قومٌ مؤمنون، فراودوهم على الدُّخول في دينهم، فامتنع المؤمنون من ذلك، فشقَّ الكافرون أخدوداً في الأرض، وقذفوا فيها النار، وقعدوا حولَها، وفتنوا المؤمنين، وعرضوهم عليها؛ فمن استجاب لهم أطلقوه، ومن استمرَّ على الإيمان قذفوه في النار، وهذا غايةُ المحاربة لله ولحزبه المؤمنين، ولهذا لعنهم الله وأهلكهم وتوعَّدهم، فقال: {قُتِلَ أصحابُ الأخدودِ}، ثم فسَّر الأخدود بقوله: {النارِ ذاتِ الوَقود. إذ هم عليها قعودٌ. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ}: وهذا من أعظم ما يكون من التجبُّر وقساوة القلب؛ لأنَّهم جمعوا بين الكفر بآيات الله ومعاندتها ومحاربة أهلها وتعذيبهم بهذا العذاب الذي تَنْفَطِرُ منه القلوب وحضورهم إيَّاهم عند إلقائهم فيها. والحالُ أنَّهم ما نقموا من المؤمنين إلاَّ حالةً يُمْدَحون عليها وبها سعادتُهم، وهي أنَّهم كانوا يؤمنون {بالله العزيز الحميد}؛ أي: الذي له العزَّة، التي قَهَرَ بها كلَّ شيء، وهو حميدٌ في أقواله وأفعاله وأوصافه. {الذي له مُلْكُ السموات والأرض}: خلقاً وعبيداً يتصرَّف فيهم بما يشاء. {والله على كلِّ شيءٍ شهيدٌ}: علماً وسمعاً وبصراً؛ أفلا خاف هؤلاء المتمرِّدون عليه أن يأخُذَهم العزيز المقتدر، أوَ ما علموا كلُّهم أنَّهم مماليك لله، ليس لأحدٍ على أحدٍ سلطةٌ من دون إذن المالك؟! أوَ خَفِيَ عليهم أنَّ الله محيطٌ بأعمالهم مجازيهم عليها ؟! كلاَّ إنَّ الكافر في غرورٍ، والجاهل في عمىً وضلالٍ عن سواء السبيل.