سورة الغاشية تفسير مجالس النور الآية 1

هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ ٱلۡغَـٰشِیَةِ ﴿١﴾

تفسير مجالس النور سورة الغاشية

المجلس الثاني والثمانون بعد المائتين: فذكِّر إنما أنت مُذكِّر


سورة الغاشية


تأتي هذه السورة لتذكير الناس بما ينتَظِرُهم في ذلك اليوم؛ يوم الحساب والجزاء، ثم تُرشِد الناس إلى طريق النجاة والخلاص، وكما يأتي:
أولًا: تستهلُّ السورة بالحديث عن غاشِيَة العذاب التي تعُمُّ أولئك الضالِّين المُكذِّبين، بالنار والحَميم والضريع الذي لا يُسمِن ولا يُغني من جوعٍ ﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ ٱلۡغَـٰشِیَةِ ﴿١﴾ وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذٍ خَـٰشِعَةٌ ﴿٢﴾ عَامِلَةࣱ نَّاصِبَةࣱ ﴿٣﴾ تَصۡلَىٰ نَارًا حَامِیَةࣰ ﴿٤﴾ تُسۡقَىٰ مِنۡ عَیۡنٍ ءَانِیَةࣲ ﴿٥﴾ لَّیۡسَ لَهُمۡ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِیعࣲ ﴿٦﴾ لَّا یُسۡمِنُ وَلَا یُغۡنِی مِن جُوعࣲ﴾.
ثانيًا: ثم تنتقل إلى الوجوه الناعمة الراضية التي تنعَم برضاه سبحانه، والجَنَّة العالية التي أعدَّها الله لهم بعيونها وسُرُرِها وأكوابها ونمارقها ﴿وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاعِمَةࣱ ﴿٨﴾ لِّسَعۡیِهَا رَاضِیَةࣱ ﴿٩﴾ فِی جَنَّةٍ عَالِیَةࣲ ﴿١٠﴾ لَّا تَسۡمَعُ فِیهَا لَـٰغِیَةࣰ ﴿١١﴾ فِیهَا عَیۡنࣱ جَارِیَةࣱ ﴿١٢﴾ فِیهَا سُرُرࣱ مَّرۡفُوعَةࣱ ﴿١٣﴾ وَأَكۡوَابࣱ مَّوۡضُوعَةࣱ ﴿١٤﴾ وَنَمَارِقُ مَصۡفُوفَةࣱ ﴿١٥﴾ وَزَرَابِیُّ مَبۡثُوثَةٌ ﴿١٦﴾ أَفَلَا یَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَیۡفَ خُلِقَتۡ ﴿١٧﴾ وَإِلَى ٱلسَّمَاۤءِ كَیۡفَ رُفِعَتۡ﴾.
ثالثًا: ثم تدعو الناس ليتفكَّروا في هذا الكَون، وما أودَعَه الله فيه مِن آياتٍ بيِّناتٍ تدلُّ على وحدانيَّة الخالق وعنايته بهذا الخلق ﴿أَفَلَا یَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَیۡفَ خُلِقَتۡ ﴿١٧﴾ وَإِلَى ٱلسَّمَاۤءِ كَیۡفَ رُفِعَتۡ ﴿١٨﴾ وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَیۡفَ نُصِبَتۡ ﴿١٩﴾ وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَیۡفَ سُطِحَتۡ﴾.
رابعًا: ثم تختتم بتأكيد مُهمَّته ومُهمَّة كلِّ مؤمنٍ مِن بعده بأن يستمرَّ في تذكير الناس، وإنذارهم يوم البعث والحساب ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُذَكِّرࣱ ﴿٢١﴾ لَّسۡتَ عَلَیۡهِم بِمُصَیۡطِرٍ ﴿٢٢﴾ إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ ﴿٢٣﴾ فَیُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَكۡبَرَ ﴿٢٤﴾ إِنَّ إِلَیۡنَاۤ إِیَابَهُمۡ ﴿٢٥﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَیۡنَا حِسَابَهُم﴾ وقد جاء هذا التوجيه مُعضَّدًا بـ ﴿إِنَّمَاۤ﴾ التي تُفيد الحصر؛ تأكيدًا لأهميَّة التذكير حتى كأنَّها مُهمَّته الوحيدة.


﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ ٱلۡغَـٰشِیَةِ﴾ هذا الاستِفهام يُقصَدُ منه التنبيه إلى أهميَّة المُستفهَم عنه وخطورته، والغاشية: القيامة؛ سُمِّيَت بذلك لأنَّها تعمُّ الناس بأهوالها، وتعمُّ الظالمين بعذابها.
﴿وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذٍ خَـٰشِعَةٌ﴾ أي: خائفة ذليلة، وهي وجوه أهل النار.
﴿عَامِلَةࣱ نَّاصِبَةࣱ﴾ صفتان من صفات أهل النار مُقيّدتان بظرف الغاشية، بمعنى أنَّهم يتَعبون وينصبون ويشقَون في ذلك العذاب الشديد، وفيه تعريضٌ بما كانوا عليه من تعبٍ ونصبٍ في سبيل الصدِّ عن هذه الدعوة والكيد بأهلها.
﴿تُسۡقَىٰ مِنۡ عَیۡنٍ ءَانِیَةࣲ﴾ أي: من عينٍ شديدة الحرارة، كما قال في سورة الرحمن: ﴿یَطُوفُونَ بَیۡنَهَا وَبَیۡنَ حَمِیمٍ ءَانࣲ﴾ [الرحمن: 44]، أي: حارّ.
﴿لَّیۡسَ لَهُمۡ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِیعࣲ﴾ هو طعامٌ خبيثٌ من أطعمة أهل النار لا ينفعهم، ولا يسدُّ شيئًا من جوعهم ﴿لَّا یُسۡمِنُ وَلَا یُغۡنِی مِن جُوعࣲ﴾.
﴿وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاعِمَةࣱ﴾ أي: ظهرت عليها نضرة النعيم، وهذه هي وجوه أهل الجَنَّة.
﴿لِّسَعۡیِهَا رَاضِیَةࣱ﴾ وهذا من تمام نعيمها؛ أن تكون سعيدة بما قدَّمَته في حياتها.
﴿لَّا تَسۡمَعُ فِیهَا لَـٰغِیَةࣰ﴾ أي: لا تسمع في الجَنَّة لغوًا؛ فليس هناك إلَّا ما يُستحسن من الكلام.
﴿وَأَكۡوَابࣱ مَّوۡضُوعَةࣱ﴾ أي: مهيّأة لهم وفيها ما يشتَهون من شرابهم.
﴿وَنَمَارِقُ مَصۡفُوفَةࣱ﴾ أي: وسائد يتَّكِئون عليها، وهذه صورةٌ مُشعِرةٌ بالأُنس والراحة.
﴿وَزَرَابِیُّ مَبۡثُوثَةٌ﴾ الزَّرابِيُّ: هي البُسُطُ الناعمة المزيَّنة، و﴿مَبۡثُوثَةٌ﴾ أي: كثيرة ومنتشرة في كلِّ مكانٍ داخل قصورهم.
﴿أَفَلَا یَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَیۡفَ خُلِقَتۡ﴾ فخلقُها وما تمتلكه من خصائص في طبعها، وأُلفتها لصاحبها، وصبرها وتحمُّلها وقوتها وثِقَل جسمها، وكثرة منافعها، وتذليلها للإنسان، كلّ ذلك يدعو للتفكر والتدبُّر.
﴿وَإِلَى ٱلسَّمَاۤءِ كَیۡفَ رُفِعَتۡ﴾ حتى تُرى كأنَّها قُبَّةٌ مضروبةٌ فوق الأرض، منوّرةٌ بشمسها، ومزيَّنةٌ بكواكبها.
﴿وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَیۡفَ نُصِبَتۡ﴾ أي: كيف رُفِعت بهذا العلوّ الشاهق، ثُمّ هي راسِخةٌ ثابتةٌ لا تتحرك، ولا تميل أو تميد.
﴿وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَیۡفَ سُطِحَتۡ﴾ فأصبَحَت مُمهّدة للعيش، صالحة للبناء، وللحرث والغرس، يسير عليها الناس وكأنَّها بساطٌ ممدودٌ لهم.
﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُذَكِّرࣱ﴾ هذا قَصْرٌ إضافيٌّ قُصِد به الاحتراز عن كونه وكيلًا عليهم، أو أنَّه بيده أمرهم ومصيرهم؛ وهذا معنى قوله: ﴿لَّسۡتَ عَلَیۡهِم بِمُصَیۡطِرٍ﴾ والصيغة بمجملِها تؤكِّد أهميَّة الدعوة وعلوّ شأنها بالنسبة للنبيّ ، ثُمّ لكلِّ مُتَّبعٍ له وسائرٍ على طريقه.
﴿إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ﴾ هو استثناءٌ بمعنى الاستدراك، والمعنى أنَّك يا محمد لست مُصيطرًا عليهم، ولا مُوكّلًا بهم، لكن من تولَّى عن دعوتك وكفَرَ بها فنحن الذين نُحاسِبه؛ ولذلك قال بعدها: ﴿فَیُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَكۡبَرَ﴾.
﴿إِنَّ إِلَیۡنَاۤ إِیَابَهُمۡ﴾ أي: مردّهم ومرجعهم، وذلك يوم القيامة.
﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَیۡنَا حِسَابَهُم﴾ تأكيدٌ لما تقدَّم أنَّ النبيَّ يُذكِّرهم، وليس وكيلًا عليهم، أو مُحاسِبًا لهم، وإنَّما الذي يُحاسبهم هو الله وحده.