يقول تعالى منبهاً لعباده المؤمنين على ما ينبغي لهم: {وما كان المؤمنون لينفروا كافَّةً}؛ أي: جميعاً لقتال عدوهم؛ فإنه يحصُلُ عليهم المشقَّة بذلك، ويفوت به كثيرٌ من المصالح الأخرى، {فلولا نَفَرَ من كلِّ فرقةٍ منهم}؛ أي: من البلدان والقبائل والأفخاذ {طائفةٌ}: تحصُلُ بها الكفاية والمقصودُ؛ لكان أولى. ثم نبَّه على أنَّ في إقامة المقيمين منهم وعدم خروجهم مصالحَ لو خَرَجوا لفاتَتْهم، فقال: {ليتفقَّهوا}؛ أي: القاعدون {في الدِّين ولِيُنذِروا قومَهم إذا رجعوا إليهم}؛ أي: ليتعلَّموا العلم الشرعيَّ، ويَعْلَموا معانيه، ويفقهوا أسراره، ولِيُعَلِّموا غيرهم، ولِيُنْذِروا قومهم إذا رجعوا إليهم. ففي هذا فضيلة العلم، وخصوصاً الفقه في الدين، وأنه أهم الأمور، وأن من تعلَّم علماً؛ فعليه نشره وبثُّه في العباد ونصيحتهم فيه؛ فإن انتشار العلم عن العالم من بركته وأجره الذي ينمي ، وأما اقتصار العالم على نفسه وعدم دعوتِهِ إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وترك تعليم الجهَّال ما لا يعلمون؛ فأيُّ منفعة حصلت للمسلمين منه؟! وأي نتيجة نتجت من علمه؟! وغايتُه أن يموت فيموت علمُهُ وثمرته، وهذا غاية الحرمان لمن آتاه الله علماً، ومَنَحَهُ فهماً. وفي هذه الآية أيضاً دليلٌ وإرشادٌ وتنبيهٌ لطيف لفائدة مهمَّةٍ، وهي أن المسلمين ينبغي لهم أن يُعِدُّوا لكلِّ مصلحةٍ من مصالحهم العامَّة مَن يقوم بها، ويوفِّر وقته عليها، ويجتهد فيها، ولا يلتفت إلى غيرها؛ لتقوم مصالحهم، وتتمَّ منافعهم، ولتكون وجهة جميعهم ونهاية ما يقصدون قصداً واحداً، وهو قيام مصلحة دينهم ودنياهم، ولو تفرَّقت الطرق وتعدَّدت المشارب؛ فالأعمال متباينةٌ، والقصد واحدٌ، وهذه من الحكمة العامَّة النافعة في جميع الأمور.