وهذا وإن كان يُستغرب على أمةٍ كبيرةٍ كثيرة أن تتَّفق على قول يدلُّ على بطلانه أدنى تفكُّر وتسليطٍ للعقل عليه؛ فإن لذلك سبباً، وهو أنهم {اتَّخذوا أحبارهم}: وهم علماؤهم، {ورهبانَهم}؛ أي: العباد المتجردين للعبادة، {أرباباً من دون الله}: يُحِلُّون لهم ما حرَّم الله فيُحِلُّونه، ويحرِّمون لهم ما أحلَّ الله فيحرِّمونه، ويَشْرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل، فيتَّبعونهم عليها، وكانوا أيضاً يغلون في مشايخهم وعُبادهم، ويعظِّمونهم، ويتَّخذون قبورهم أوثاناً تُعبد من دون الله، وتُقصد بالذبائح والدُّعاء والاستغاثة. {والمسيحَ ابن مريم}: اتَّخذوه إلهاً من دون الله، والحال أنَّهم خالفوا في ذلك أمر الله لهم على ألسنة رسله، فما {أُمِروا إلا لِيَعْبُدوا إلهاً واحداً لا إله إلَّا هو}: فيُخلصون له العبادة والطاعة ويخصُّونه بالمحبَّة والدُّعاء، فنبذوا أمر الله، وأشركوا به ما لم يُنَزِّلْ به سلطاناً. {سبحانه}: وتعالى {عمَّا يُشركون}؛ أي: تنزَّه وتقدَّس وتعالت عظمتُه عن شركهم وافترائهم؛ فإنَّهم ينتقِصونه في ذلك ويصِفونه بما لا يَليق بجلاله، والله تعالى العالي في أوصافه وأفعاله عن كل ما نُسِبَ إليه مما يُنافي كماله المقدَّس.