ثم بيَّن تعالى هذا النور الذي قد تكفَّل بإتمامه وحفظه، فقال: {هو الذي أرسلَ رسولَه بالهدى}: الذي هو العلم النافع، {ودينِ الحقِّ} الذي هو العمل الصالح، فكان ما بعث الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم - مشتملاً على بيان الحقِّ من الباطل في أسماء الله وأوصافه وأفعاله، وفي أحكامه وأخباره، والأمر بكلِّ مصلحةٍ نافعة للقلوب والأرواح والأبدان؛ من إخلاص الدين لله وحده، ومحبة الله وعبادته، والأمر بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والأعمال الصالحة والآداب النافعة، والنهي عن كلِّ ما يضادُّ ذلك ويناقضه من الأخلاق والأعمال السيِّئة المضرَّة للقلوب والأبدان والدنيا والآخرة، فأرسله الله بالهدى ودين الحقِّ؛ {لِيُظْهِرَهُ على الدين كلِّه ولو كره المشركون}؛ أي: ليعليه على سائر الأديان؛ بالحجة والبرهان، والسيف والسنان، وإن كره المشركون ذلك، وبَغَوا له الغوائل، ومكروا مكرهم؛ فإنَّ المكر السيئ لا يضرُّ إلا صاحبه؛ فَوَعْدُ اللهِ لا بدَّ أن ينجِزَه وما ضَمِنَهُ لا بدَّ أن يقوم به.