{يحلفونَ بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمةَ الكفرِ}؛ أي: إذا قالوا قولاً كقول من قال منهم: {لَيُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ}، والكلام الذي يتكلَّم به الواحد بعد الواحد في الاستهزاء بالدين وبالرسول؛ فإذا بلغهم أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد بلغه شيء من ذلك؛ جاؤوا إليه يحلفون بالله ما قالوا، قال تعالى مكذِّباً لهم: {ولقد قالوا كلمةَ الكفر وكفروا بعد إسلامهم}: فإسلامهم السابق، وإن كان ظاهره أنه أخرجهم من دائرة الكفر؛ فكلامُهم الأخير ينقُضُ إسلامهم ويدخِلُهم بالكفر. {وهمُّوا بما لم ينالوا}: وذلك حين همُّوا بالفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فقصَّ الله عليه نبأهم، فأمر من يصدُّهم عن قصدهم. {و} الحال أنهم {ما نقموا} وعابوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {إلَّا أنْ أغناهم اللهُ ورسولُه من فضله}: بعد أن كانوا فقراء معوزين، وهذا من أعجب الأشياء: أن يستهينوا بمن كان سبباً لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومغنياً لهم بعد الفقر! وهل حقُّه عليهم إلا أن يعظِّموه ويؤمنوا به ويُجِلُّوه؟! [فاجتمع الدَّاعي الديني وداعي المروءة الإنسانية]. ثم عرض عليهم التوبة، فقال: {فإن يتوبوا يكُ خيراً لهم}؛ لأن التوبة أصلٌ لسعادة الدُّنيا والآخرة، {وإن يَتَوَلَّوا}: عن التوبة والإنابة {يعذِّبْهم الله عذاباً أليماً في الدُّنيا والآخرة}: في الدنيا بما ينالهم من الهم والغم والحزن على نصرة الله لدينه وإعزاز نبيِّه وعدم حصولهم على مطلوبهم، وفي الآخرة في عذاب السعير. {وما لهم في الأرض من وليٍّ}: يتولَّى أمورهم ويُحَصِّلُ لهم المطلوب، {ولا نصيرٍ}: يدفع عنهم المكروه، وإذا انقطعوا من ولاية الله تعالى؛ فثمَّ أصناف الشرِّ والخسران والشقاء والحرمان.