وهذا أيضاً من مخازي المنافقين، فكانوا قبَّحهم الله لا يدعون شيئاً من أمور الإسلام والمسلمين يرون لهم مقالاً؛ إلا قالوا وطعنوا بغياً وعدواناً، فلما حثَّ الله ورسوله على الصدقة؛ بادر المسلمون إلى ذلك، وبذلوا من أموالهم كل على حسب حاله، منهم المكثر ومنهم المقل، فيلمزون المكثر منهم بأنَّ قصدَه بنفقته الرياء والسمعة، وقالوا للمقلِّ الفقير: إنَّ الله غنيٌّ عن صدقة هذا، فأنزل الله تعالى: {الذين يَلْمِزون}؛ أي: يعيبون ويطعنون {المُطَّوِّعين من المؤمنين في الصدقات}: فيقولون: مراؤون قصدُهم الفخر والرياء {و} يلمزون {الذين لا يَجِدون إلا جُهْدَهم}: فيخرِجون ما استطاعوا ويقولون: الله غنيٌّ عن صدقاتهم، {فيسخرون منهم}، فقابلهم الله على صنيعهم بأن سَخِرَ منهم، {ولهم عذابٌ أليم}؛ فإنَّهم جمعوا في كلامهم هذا بين عدة محاذير: منها: تتبُّعهم لأحوال المؤمنين وحرصهم على أن يجدوا مقالاً يقولونه فيهم، والله يقول: {إنَّ الذين يحبُّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ}. ومنها: طعنهم بالمؤمنين لأجل إيمانهم كفراً بالله تعالى وبغضاً للدين. ومنها: أن اللَّمز محرمٌ، بل هو من كبائر الذنوب في أمور الدنيا، وأما اللَّمز في أمر الطاعة؛ فأقبحُ وأقبح. ومنها: أنَّ من أطاع الله وتطوَّع بخَصْلةٍ من خصال الخير؛ فإنَّ الذي ينبغي إعانته وتنشيطه على عمله، وهؤلاء قصدوا تثبيطهم بما قالوا فيهم، وعابوهم عليه. ومنها: أنَّ حكمهم على من أنفق مالاً كثيراً بأنه مراءٍ غلطٌ فاحشٌ وحكم على الغيب ورجمٌ بالظن، وأيُّ شرٍّ أكبر من هذا؟! ومنها: أن قولهم لصاحب الصدقة القليلة: اللهُ غنيٌّ عن صدقة هذا! كلامٌ مقصوده باطلٌ؛ فإنَّ الله غنيٌ عن صدقة المتصدِّق بالقليل والكثير، بل وغني عن أهل السماوات والأرض، ولكنه تعالى أمر العباد بما هم مفتقرون إليه؛ فالله وإن كان غنيًّا عنه؛ فهم فقراء إليه؛ {فمن يعملْ مثقال ذرَّةٍ خيراً يره}، وفي هذا القول من التثبيط عن الخير ما هو ظاهرٌ بيّن، ولهذا كان جزاؤهم أن يسخر الله منهم، {ولهم عذابٌ أليمٌ}.