﴿عَرَضࣰا قَرِیبࣰا﴾ نفعًا دنيويًّا سهل المأخذ.
﴿وَسَفَرࣰا قَاصِدࣰا﴾ مريحًا ليس فيه مشقَّة.
﴿یُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ﴾ باليمين الكاذبة، وبتخلُّفهم عن الجهاد الحقِّ.
﴿عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ﴾ استهلالٌ وَدودٌ قبل المعاتبة، ولا يلزم من العفو وجود الذنب؛ لأن الفعل السابق للتشريع لا يعدُّ ذنبًا حتى لو كان مُخالفًا له.
﴿۞ وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةࣰ﴾ تأكيدٌ للقاعدة الشرعيَّة المعروفة (ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب)، وهذه قاعدةٌ ذهبيةٌ تندرِج فيها آلاف المسائل والمستجدَّات العمليَّة، مثل: استخراج جواز السفر وتأشيرة السفر لمَن أراد الحج، فمَن لم يعمَل عليهما وَفَاتَه الحج فقد أَثِمَ.
﴿فَثَبَّطَهُمۡ﴾ خذلهم وأوهن عزيمتهم.
﴿خَبَالࣰا﴾ فسادًا وفتنةً.
﴿وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَـٰلَكُمۡ﴾ أوقعوا بينكم بالنميمة والدسيسة.
﴿وَفِیكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ﴾ مصدِّقون لهم.
﴿لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ﴾ فهذا شأنُهم ودَيدَنُهم، إشارة إلى إبطال عُذرهم في هذه المعركة.
﴿وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ﴾ دبَّرُوا الحِيَلَ.
﴿وَلَا تَفۡتِنِّیۤۚ﴾ لا تُوقِعني في الإثم، ورَدَت في رجل اعتذر عن الخروج تخوُّفًا بزعمه من رؤية نساء
الروم والافتتان بهنَّ، فردَّ عليه القرآن:
﴿أَلَا فِی ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ﴾ فمخالفة الرسول
ﷺ والتخلف عنه في هذه الغزوة أشدُّ إثمًا مما كان قد اعتذر به.
﴿وَإِن تُصِبۡكَ مُصِیبَةࣱ یَقُولُواْ قَدۡ أَخَذۡنَاۤ أَمۡرَنَا مِن قَبۡلُ وَیَتَوَلَّواْ وَّهُمۡ فَرِحُونَ﴾ اللوم والتشكيك والشماتة بكلِّ ما يصيب المسلمين من خسارةٍ أو نكسةٍ، وقوله:
﴿قَدۡ أَخَذۡنَاۤ أَمۡرَنَا﴾ أي: احتَطْنا لأنفسنا وفُزْنا؛ لأننا أهل نظر وحكمة، وهي محاولة للنَّيْل من حسن إدارة الرسول
ﷺ وكأنهم يطرَحُون أنفسهم بديلًا عنه، وهذا لا يكون إلا من منافق.
﴿قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَاۤ إِلَّاۤ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَیَیۡنِۖ﴾ أي: هل تنتظرون منَّا إلا أن تكون لنا واحدة من اثنتَين: النصر، أو الشهادة.
﴿وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن یُصِیبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابࣲ مِّنۡ عِندِهِۦۤ أَوۡ بِأَیۡدِینَاۖ﴾ تهديد للمنافقين أن استخدام القوَّة معهم وارِدٌ في حالة خروجهم وتمرُّدهم على سلطان الدولة.
﴿قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهࣰا لَّن یُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ﴾ القبول الأخروي، أما في الدنيا فالمنافق مطالَب أن يؤدِّي ما عليه من حقوق ماليَّة كالمسلم لا فرق بينهما، إلا أن المسلم ينتظر الأجرَ من الله بخلاف المنافق.
وقوله:
﴿طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهࣰا﴾ والمنافق لا يُنفق إلا مُكرَهًا
﴿وَلَا یُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَـٰرِهُونَ﴾ فلعلَّهُ أراد نفقةَ التقية والرياء المتضمِّنة لشيءٍ من الخديعة والمكر، والله أعلم.
﴿إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡمࣰا فَـٰسِقِینَ﴾ تعليلٌ لعدم القبول، والفسوق هنا الخروج عن الإيمان، وهو فسوق الكفر، وهو المفسَّر بقوله تعالى:
﴿وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَـٰتُهُمۡ إِلَّاۤ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ﴾.
﴿یَفۡرَقُونَ﴾ يخافون.
﴿لَوۡ یَجِدُونَ مَلۡجَـًٔا﴾ مكانًا محصَّنًا.
﴿أَوۡ مَغَـٰرَ ٰتٍ﴾ جمع مغارة، وهي المكان الصالح للتخفِّي بين الجبال والوِهاد.
﴿أَوۡ مُدَّخَلࣰا﴾ الطرق والمخارج الخفيَّة.
﴿وَهُمۡ یَجۡمَحُونَ﴾ يُسرِعُون إليه بقوةٍ وعزيمةٍ.
﴿یَلۡمِزُكَ فِی ٱلصَّدَقَـٰتِ﴾ يعيبك في توزيعها وطريقة صرفها.
﴿لِلۡفُقَرَاۤءِ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ﴾ الفارق بينهما: أن المسكين أَدعَى للرأفة والرحمة؛ بسبب عجزه أو مرضه أو كبر سنِّه، وهذا هو إيحاء كلمة (مسكين)، أما الفقير فقد يكون قويًّا مُعافى لكنه لا يجد بابًا للرزق، وكلاهما مُستحقٌّ للصدقة، وإنما فرَّق بينهما؛ تنبيهًا لطريقة التعامل معهما، فالمسكين قد لا يصلح للعمل أصلًا، فتكون النفقة عليه بالمباشر، ومنها تهيئة من يكفله أو يخدمه، وأما الفقير فالأَولَى توفير فرصةِ العمل له وإن كان بمال الصدقة؛ ليكون واحدًا من المُنتِجِين والمُساهِمِين في الإعمارِ والتنميةِ.
﴿وَٱلۡعَـٰمِلِینَ عَلَیۡهَا﴾ الجُباةُ المُفرَّغُون لجِباية الزكاة وضبطها وتوزيعها، فهؤلاء مُوظَّفُون يستحِقُّون الأجر من مال الزكاة وإن كانوا أغنياء إلا أن يطَّوَّعُوا.
﴿وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ﴾ هم كلُّ من يُرجى خيرُه للمسلمين بإسلامه أو بنصرته، أو بدفع شرِّه أو شرِّ من وراءه، وهذا بابٌ واسع للمصلحة العامة، ومبدأ من مبادئ السياسة الشرعيَّة القائم على
الشورى، والتقدير الدقيق للموقف؛ بحيث لا يكون مدخلًا للهوى، والأغراض الشخصيَّة.
﴿وَفِی ٱلرِّقَابِ﴾ لمساعدة العبيد على التحرُّر بالمكاتبة وغيرها.
﴿وَٱلۡغَـٰرِمِینَ﴾ الذين ركِبَتْهم الديون؛ بحيث إن ما عندهم من المال لا يكفِي لسدِّ ديونهم.
﴿وَفِی سَبِیلِ ٱللَّهِ﴾ الجهاد في سبيل الله وما يؤدِّي مُؤدَّاه من دعوةٍ للحقِّ، وتقويةٍ للصف، والله أعلم.
﴿وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِۖ﴾ المسافر المنقطع عن بلده؛ بحيث لا يقدر على التصرُّف في ماله، فيُعطَى من الزكاة بقدر ما يسدُّ حاجته في طريقه حتى يصِل إلى بلده.
﴿فَرِیضَةࣰ مِّنَ ٱلـلَّـهِۗ﴾ دلالة أن هذه الصدقات إنما هي الزكاة الواجبة؛ تمييزًا لها عن بقيَّة الصدقات؛ كصدقة التطوُّع، والنَّذر، والنفقة الواجبة.
﴿وَیَقُولُونَ هُوَ أُذُنࣱۚ﴾ أي: يستمع لكل ما يقال له استماع المُصدِّق.
﴿وَیُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ يُصدِّقُهم، ويُسلِّمُ لهم، وهذه لطيفةُ التعدِية باللام، وفيه تزكِيةٌ للصحابة رضي الله تعالى عنهم، وإشارةٌ إلى أنّ النبيَّ
ﷺ ما كان يُصدِّقُ بكلِّ ما يُقالُ له، وإنَّما يُصدِّقُ أصحابَه المعرُوفين بإيمانهم ومحبَّتهم له.
﴿یُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ﴾ يُناصِبُهما العداء.
﴿إِنَّ ٱللَّهَ مُخۡرِجࣱ مَّا تَحۡذَرُونَ﴾ أي: يكشف للمؤمنين خباياكم وما تخشون من كشفه وافتضاحه.
﴿إِن نَّعۡفُ عَن طَاۤىِٕفَةࣲ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَاۤىِٕفَةَۢ﴾ العفو عن المنافقين فيما أضمَروه أصلٌ، ومعاقبتهم على جرائمهم الظاهرة أصلٌ كذلك، ومن هنا كان التفريق بين الطائفَتَين، وفي الآية تهديدٌ للمنافقين أن يُحوِّلُوا كفرَهم الباطن إلى جرائم ظاهرة
﴿بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِینَ﴾.
﴿وَیَقۡبِضُونَ أَیۡدِیَهُمۡۚ﴾ فلا يتصدَّقون.
﴿نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِیَهُمۡۚ﴾ تركوا أمر الله وهَدْيَه والتفكُّر في الوصول إلى الحقِّ، فحَرَمَهم الله من رحمته.
﴿فَٱسۡتَمۡتَعُواْ بِخَلَـٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَـٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَـٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِی خَاضُوۤاْۚ﴾ كلّ هؤلاء المنافقين والكافرين ومن سبَقَهم من أهل الكفر في الأمم السابقة قد أخذوا نصيبهم من هذه الدنيا، وانشغلوا بها حتى نسوا أنفسهم، والغاية من خلقهم ووجودهم، فتخبَّطُوا في حَمأة الغفلة والضلال حتى واجهوا مصيرَهم المحتوم
﴿حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡأَخِرَةِۖ وَأُوْلَــٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ﴾.
﴿فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیَظۡلِمَهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ﴾ هذا هو القانون الإلهي المُحكَم، فالظالم إنما يظلم نفسه، ومن نَسَبَ الظلمَ إلى الله على طريقة الإجبار والإكراه القدريِّ فقد أعظم على الله الفِرْيَة، فحاشا لله أن يُجبِر إنسانًا على الكفر أو الذنب وينزع عنه حريَّة الاختيار، ثم يُعاقبه.
﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ﴾ فالولاء مرتبط بالإيمان، وكلُّ من لا تستطيع أن تُخرِجه من دائرة الإيمان فلا يحقُّ لك أن تحرِمه من دائرة الولاء، وفي هذا إبطال للولاءات القاصرة التي يلتقي عليها الناس دون الإيمان؛ كالنَّزَعات العنصريَّة، أو الحزبيَّة، أو المذهبيَّة.
﴿وَٱغۡلُظۡ عَلَیۡهِمۡۚ﴾ لأن الغِلظة شرطٌ في مجاهدة الأعداء عسكريًّا، وفي ملاحقة المجرمين والعابثين أمنيًّا، ورِقَّة القلب في الحالَتَين علامة الضعف، ومدعاة للفشل.
﴿وَهَمُّواْ بِمَا لَمۡ یَنَالُواْۚ﴾ أي: همُّوا بإيذاء رسول الله
ﷺ والنَّيل منه، فوقاه الله منهم.
﴿فَإِن یَتُوبُواْ یَكُ خَیۡرࣰا لَّهُمۡۖ﴾ دلالة على سعة رحمة الله وحلمه وعفوه.
﴿۞ وَمِنۡهُم مَّنۡ عَـٰهَدَ ٱللَّهَ لَىِٕنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ هي صورةٌ للمُتشبِّثين بالدنيا الذين يطرقون كلَّ الأبواب من أجلها، ولا يهمهم بعد ذلك التزام ولا عهد، ولا من أين اكتسب ولا فيم أنفق، وهذه من الغفلة التي تحكم القلب فتُعميه عن الحقِّ وتزجُّ به في طريق الضالِّين والمنافقين.
وما ورد في بعض الروايات التفسيريَّة عن الصحابي الأنصاري ثعلبة بن حاطِب وقصة تحوُّله من الفقر إلى الغنى، ومنعه للزكاة وما شابَه، فهي لا تصحُّ سندًا ولا متنًا، والله أعلم.
﴿ٱلۡمُطَّوِّعِینَ﴾ المتطوّعين بالصدقة.
﴿لَا یَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ﴾ أي: يتطوَّعُون بحسب طاقتهم.
﴿ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِینَ مَرَّةࣰ فَلَن یَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۗ﴾ فالاستغفار للكافرين لا ينفعهم بحال، وذِكْر السبعين ليس حدًّا، بل هو للتيئِيس والحسم؛ لأن معناه عند العرب الكثرة المطلقة، كأنه قال: إن استَغفَرتَ لهم قليلًا أو كثيرًا فلن يغفر الله لهم، وهذا من وعيد الله الجازم والحاسم للمشركين
﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَغۡفِرُ أَن یُشۡرَكَ بِهِۦ وَیَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَ ٰلِكَ لِمَن یَشَاۤءُۚ﴾.
وفي هذا التأكيد إشارة لحرص رسول الله
ﷺ على هدايتهم وتوبتهم، مهما كانت أذيَّتهم له بأبي هو وأمي
ﷺ.