والمقسَم عليه قولُه: {لقد خَلَقْنا الإنسانَ في كَبَدٍ}: يُحتمل أنَّ المراد بذلك ما يكابده ويقاسيه من الشَّدائد في الدُّنيا وفي البرزخ ويوم يقوم الأشهاد، وأنَّه ينبغي له أن يسعى في عملٍ يُريحُهُ من هذه الشَّدائد ويوجب له الفرح والسرور الدَّائم، وإن لم يفعلْ؛ فإنَّه لا يزال يكابد العذاب الشديد أبد الآباد، ويحتمل أن المعنى لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم وأقوم خِلْقة يقدر على التصرف والأعمال الشديدة ومع ذلك فإنه لم يشكر الله على هذه النِّعمة العظيمة، بل بطر بالعافية، وتجبَّر على خالقه، فَحَسِبَ بجهله وظلمه أنَّ هذه الحال ستدوم له، وأنَّ سلطان تصرُّفه لا ينعزل، ولهذا قال [تعالى]: {أيحسبُ أن لن يقدِر عليه أحدٌ}: ويطغى ويفتخر بما أنفق من الأموال على شهوات نفسه؛ فيقول {أهلكتُ مالاً لُبَداً}؛ أي: كثيراً بعضه فوق بعض. وسمى الله [تعالى] الإنفاق في الشَّهوات والمعاصي إهلاكاً؛ لأنَّه لا ينتفع المنفق بما أنفق، ولا يعود إليه من إنفاقه إلاَّ النَّدم والخسار والتَّعب والقلَّة، لا كمن أنفق في مرضاة الله في سبيل الخير؛ فإنَّ هذا قد تاجر مع الله وربح أضعاف أضعاف ما أنفق، قال الله متوعِّداً هذا الذي افتخر بما أنفق في الشهوات: {أيحسبُ أن لم يَرَهُ أحدٌ}؛ أي: أيظنُّ في فعله هذا أنَّ الله لا يراه ويحاسبه على الصغير والكبير؟! بل قد رآه الله وحفظ عليه أعماله ووكل به الكرام الكاتبين لكل ما عمله من خيرٍ وشرٍّ.