﴿أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ﴾ استِفهامٌ تقريريٌّ يُقصَدُ به تأكيد الفعل الواقِع بعده، فيكون بمعنى: لقد شرَحنا لك صدرك، مع إضافة معنى الامتِنان المستوجِب للشكر، وشَرح الصدر معناه: إزالة الضيق عنه بما نوَّره الله به من نور الوحي، وإتمام النعمة برفع الدرجات، وبلوغ الكمالات، وكثرة البشارات.
﴿وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ ﴿٢﴾ ٱلَّذِیۤ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ﴾ يطلق الوِزْر على معنيَين: الثِّقَل، والذنب، والأوَّل أنسَب مع قوله:
﴿وَوَضَعۡنَا﴾، وقوله:
﴿ٱلَّذِیۤ أَنقَضَ﴾ أي: أثقَلَه، والمُعتاد اقتِران المغفرة أو العفو مع الذنب وليس الوضع.
ثُمَّ إنَّه
ﷺ لم يُعرَف عنه أنَّه كان مهمومًا كلّ هذا الهمّ بسبب ذنبٍ ارتكبه، بل المعروف اهتمامه بأمر هذا الدين وما يُواجهه من عقَبَات؛ ولذلك جاءت البشارة المؤكّدة
﴿فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ یُسۡرًا ﴿٥﴾ إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ یُسۡرࣰا﴾ وهذه قرينةٌ ثالثةٌ أنَّ الوِزر الذي كان يثقل ظهره
ﷺ إنَّما هو ما يراه من إعراض قومه عنه، ووقوفهم بوجه دعوته، وتعذيبهم لأصحابه، حتى كأنَّ الطُّرُق قد أُقفِلَت كلّها أمامه، فيكون وضع هذا الوِزر بالبشارات المؤكّدة بانتشار هذا الدين والتمكين للمؤمنين، والله أعلم.
﴿وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ﴾ في الملأ الأعلى، وفي أرجاء هذه الأرض؛ فلا يُؤذِّن مُؤذِّن إلَّا ذَكَرَ اسمه الشريف مقرونًا باسم ربِّه الكريم، ولا صلَّى مُصلٍّ، أو دعَا داعٍ، أو ذكَرَ ذَاكِرٌ إلا ذكَرَه وصلَّى وسلَّم عليه، فعَليه أفضل الصلاة والسلام، وفي هذا إعلامٌ أيضًا بانتشار هذا الدين وبلوغه أرجاء العالمين.
﴿فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ یُسۡرًا ﴿٥﴾ إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ یُسۡرࣰا﴾ هذا تأكيدٌ لفظيٌّ بتكرار العبارة، ومُفاده تأكيد ورود اليُسر على كلِّ عسرٍ.
﴿فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ﴾ أي: إذا أنهَيتَ ما كنت مُشتغلًا به، فاشتَغِل بعملٍ آخر؛ فليس عند السائرين إلى الله فراغ، فهم في عملٍ دَؤوبٍ ومُسارعةٍ إلى الطاعات لا تفتر.
﴿وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرۡغَب﴾ أي: ألقِ حاجاتِك كلّها بباب مَولاك، وتوكَّل عليه وحده فيما يهمّك أمره، أو ترجُو نوالَه.