سورة الماعون تفسير مجالس النور الآية 7

وَیَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ ﴿٧﴾

تفسير مجالس النور سورة الماعون

المجلس الثامن والتسعون بعد المائتين: علاقة الدين بالأخلاق


سورة الماعون


تتناول هذه السورة طرفًا من القيم الدينيَّة والأخلاقيَّة؛ لتأكيد صلة الدين الحقّ بالأخلاق الفاضلة، وقد جاء هذا أوَّلًا في سياق تنديد القرآن بسلوك المشركين وطريقة تعاملهم مع الضعفاء والمساكين: ﴿أَرَءَیۡتَ ٱلَّذِی یُكَذِّبُ بِٱلدِّینِ ﴿١﴾ فَذَ ٰ⁠لِكَ ٱلَّذِی یَدُعُّ ٱلۡیَتِیمَ ﴿٢﴾ وَلَا یَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِینِ﴾؛ حيث جعل كفرهم بالدين وبعقيدة البعث والجزاء سببًا فيما هم عليه من قسوةٍ وفظاظةٍ، وسوءِ خُلُقٍ.
وعليه فإنَّ المؤمن الصادق الإيمان لا بُدّ أن يُقبِلَ على الطاعات، وكلِّ وجوه الخيرِ والبرِّ، ولأنَّ هذا المفهوم هو المُتبادر إلى الذهن، استدرك القرآنُ استدراكًا دقيقًا مُنبِّهًا إلى أنَّه ليس كلُّ مَن يدَّعي الإيمان صادقًا في دعواه، وليس كلّ مَن يُصلِّي تُنتظر منه هذه الأخلاق الحميدة؛ فهناك أقوامٌ اتّخذوا الدين مراءاةً ومباهاةً، فهؤلاء لا تختلف أخلاقهم في النتيجة عن أولئك المشركين، بل هؤلاء جريمتهم أشنع؛ لأنَّهم جمَعُوا إلى سوء أخلاقهم أن شوَّهوا دينَ الله، وأساءُوا إلى الصلاة والمُصلِّين ﴿فَوَیۡلࣱ لِّلۡمُصَلِّینَ ﴿٤﴾ ٱلَّذِینَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ ﴿٥﴾ ٱلَّذِینَ هُمۡ یُرَاۤءُونَ ﴿٦﴾ وَیَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ﴾.


﴿أَرَءَیۡتَ ٱلَّذِی یُكَذِّبُ بِٱلدِّینِ﴾ هو الذي يُكذِّب بالبعث وما فيه من حسابٍ وجزاءٍ، وهو تكذيبٌ بالدين كلّه؛ لأنَّ مَن كذَّب بالآخرة فقد كذَّب بالإسلام كلّه، وجملة ﴿أَرَءَیۡتَ﴾ استفهامٌ يُقصَدُ به تنبيه السامع إلى أهميَّة ما بعده، وتشويقه لمعرفته.
﴿فَذَ ٰ⁠لِكَ ٱلَّذِی یَدُعُّ ٱلۡیَتِیمَ﴾ أي: يدفعه بقوةٍ وشِدَّةٍ.
﴿وَلَا یَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِینِ﴾ أي: لا يحضُّ غيره، ومن باب أَولَى أنَّه لا يطعم هو، وكونه لا يحضُّ فيه إشارةٌ أنَّه يأنَفُ من ذلك على وجه التكبُّر، فيعدُّ الاهتمام بالضعفاء والمساكين مما لا يَلِيق به؛ لأنَّه يُقلِّلُ مِن شأنه، وهذه صفةٌ موجودةٌ عند كثيرٍ من أمثال هؤلاء، فتراه يُبذِّر مالَه يمينًا وشمالًا، فإذا دُعِي إلى اليتيم والمسكين أعرَضَ واستكبَر.
﴿فَوَیۡلࣱ لِّلۡمُصَلِّینَ﴾ هذا صِنفٌ آخر، يُثبِتُ القرآنُ لهم أنَّهم يُصلُّون، لكن صلاتهم هذه لا يقصدون بها وجه الله؛ إنَّما يراءُون بها الناس، وبالتالي فهم ساهُون عن حقيقة الصلاة، غافلون عن غايتها، وذلك قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِینَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ ﴿٥﴾ ٱلَّذِینَ هُمۡ یُرَاۤءُونَ ﴿٦﴾ وَیَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ﴾ فتشابَهَت أفعالهم مع أفعال المشركين.
وقد وهمَ مَن ظَنَّ أنَّ المقصود بهؤلاء هم المشركون، بدعوَى أن قوله: ﴿ٱلَّذِینَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ﴾ يعني أنَّهم تاركون لها لكفرهم وعدم إيمانهم؛ فالسهو عن الصلاة لا يعني نفيها جُملةً، ولو كان كذلك لعادَ على وصفهم الأوَّل بالإبطال؛ إذ قال فيهم: ﴿فَوَیۡلࣱ لِّلۡمُصَلِّینَ﴾ ثُمّ إنَّ تأويل المُصلِّين هنا بالمشركين مُستبعدٌ غاية الاستبعاد، ومُستغربٌ غاية الغرابة.
كما أنّه لا يصحُّ أن يكون المقصود بهم أهل الإيمان مِمَّن يحصُلُ لهم السهو الذي لا يتنزَّه عنه في العادة أيُّ مكلّف، ولو قصد هذا المعنى لقال: (في صلاتهم)، فتحصَّل مِن كلِّ هذا أنَّ القرآن يتكلَّم عن صنفٍ آخر يُصلُّون مع المصلين، لكنَّهم مُهمِلون لصلاتهم ولا يعتَنُون بها في خلواتهم، ولا يسعَون لتحقيق غاياتها في حياتهم.
وقوله: ﴿وَیَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ﴾ أي: يمنَعُون المعونةَ عن المحتاج إليها؛ لشدِّة بُخلهم، وابتعادهم عن طريق الخير.