سورة المسد تفسير مجالس النور الآية 2

مَاۤ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ ﴿٢﴾

تفسير مجالس النور سورة المسد

المجلس التاسع والتسعون بعد المائتين: تبَّت يدا أبي لهَب


سورة المسد


نموذجٌ يعرِضُه القرآن الكريم لأولئك النفَر الذين تصدّوْا لهذه الدعوة من يومها الأوَّل، وهو الوحيد الذي سمَّاه القرآن باسمِه الذي عُرِفَ به، وقد توعَّده الله بالخسران المؤكَّد: ﴿تَبَّتۡ یَدَاۤ أَبِی لَهَبࣲ وَتَبَّ ﴿١﴾ مَاۤ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ﴾.
وقد كان عمَّ رسولِ الله فلم تشفَع له قرابته، وفي هذا آيةٌ على عدل الإسلام، وأنَّه لا يُحابِي أحدًا على الحقِّ، وآيةٌ على صِدْقِه وأمانته في تبليغ هذا الدين.
وفيه آيةٌ أخرى؛ أنَّه تعالى توعَّد أبا لهبٍ بالنار ﴿سَیَصۡلَىٰ نَارࣰا ذَاتَ لَهَبࣲ﴾ بمعنى أنَّه يموت على الكُفر، وقد نزَلَت السورة وهو حيٌّ، وكان باستِطاعته أن يتظاهر بالإيمان لتكذيب هذا الإخبار، لكنَّه خابَ وخسِرَ، وقد أشرَكَ القرآن معه زوجته، وكانت من أشدِّ النساء عداوةً لهذا الدين، فتبَّت كما تبَّ، وخسِرَت كما خسِرَ ﴿وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ ﴿٤﴾ فِی جِیدِهَا حَبۡلࣱ مِّن مَّسَدِۭ﴾.


﴿تَبَّتۡ یَدَاۤ أَبِی لَهَبࣲ وَتَبَّ﴾ دعاءٌ عليه بالخسران، وهو أسلوبٌ من أساليب التنديد والتشنيع، ومثله: ﴿قُتِلَ ٱلۡإِنسَـٰنُ مَاۤ أَكۡفَرَهُۥ﴾ [عبس: 17]، و﴿وَیۡلࣱ لِّكُلِّ هُمَزَةࣲ لُّمَزَةٍ﴾ [الهمزة: 1]، وهو متضمّن الإخبار بسوء حاله أيضًا، وهذا هو محل التشنيع.
وأبو لهب هو عمُّ رسول الله ، واسمُه عبد العُزَّى بن عبد المطلب؛ وكانوا يسمونه أبا لهبٍ لشدَّةِ وضاءة وجهه وإشراقته، وقد اختارَ له القرآن هذا الاسم؛ تفاديًا لذكر اسمه (عبد العُزَّى) وهو اسمٌ صريحٌ في الشرك - والعياذ بالله -، ولمناسبة اللهَب للهَب جهنَّم التي توعَّده الله بها، ولمناسبته أيضًا لمعنى الحطَب الذي تحمِلُه امرأته، وهذا من بديع الإشارات القرآنية، وكل القرآن بديع.
﴿وَتَبَّ﴾ تحتمل التأكيد، وتحتمل الإخبار على معنى أنَّه قد تحقَّق بالفعل ما توعَّدَه الله به آنِفًا.
﴿مَاۤ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ﴾ دلالة أنَّه كان من أصحاب الأموال، لكن ماله هذا وكلّ ما كسَبَه لم يُغنِ عنه من عذاب الله شيئًا.
﴿سَیَصۡلَىٰ نَارࣰا ذَاتَ لَهَبࣲ﴾ وعيدٌ شديدٌ مُتضمّنٌ الإخبار الجازم بسوء خاتمته وهلاكه على الكفر، فمات على ذلك، وهذه من معجزات القرآن الظاهرة والخالدة.
﴿وَٱمۡرَأَتُهُۥ﴾ أي: مشتركة معه في هذا الوعيد؛ لاشتراكها معه، ومعاونتها له في عداوته لرسول الله ولدعوته.
﴿حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ﴾ هذا جزءٌ من وعيدها الذي توعَّدها الله به، بمعنى أنَّها ستحمِلُ عذابَ النار ووقودها المُستعِر كما كانت تحمِلُ وِزرَ عداوتها وبُغضها وتأليبها على رسول الله ، وحملها الحطب في الدنيا قد يكون على حقيقته، وقد يكون كناية عن حملها الفتنة والنميمة وتأليب الناس على هذه الدعوة، وهذا المعنى أقرب وأنسب لها، ولمكانتها في قومها، وقد جُوزِيَت في النار بما يُناسِب فعلها.
﴿فِی جِیدِهَا حَبۡلࣱ مِّن مَّسَدِۭ﴾ استِكمالًا لصورتها البشعة في عداوتها، وحملها لأوزار الكراهية والعدوان والتأليب، وسَعيِها الحثيث في ذلك، ولصورة جزائها الذي ستُخزَى به في جهنّم.
والجِيدُ: العُنُق، والمَسَدُ: اللّيف الذي تُصنَع منه الحبال في العادة.