تناول هذا المقطع قصة الخلق الأولى؛ خلق الإنسان، وهي القصة التي تكررت في القرآن كثيرًا، وهنا يعرضها القرآن مؤكِّدًا طبيعة الصراع الأزلي بين الخير والشرِّ وضمن المفاهيم والمعاني الآتية:
أولًا: أن طبيعة الإنسان طبيعة مختلفة عن المخلوقين الآخرين؛
الجن والملائكة، وإن اجتمعوا في صفة العقل، ومؤهِّلات التكليف
﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن صَلۡصَـٰلࣲ مِّنۡ حَمَإࣲ مَّسۡنُونࣲ ﴿٢٦﴾ وَٱلۡجَاۤنَّ خَلَقۡنَـٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ ﴿٢٧﴾ وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی خَـٰلِقُۢ بَشَرࣰا مِّن صَلۡصَـٰلࣲ مِّنۡ حَمَإࣲ مَّسۡنُونࣲ﴾ والآيات تؤكِّد أيضًا أن خلق الإنسان متأخرٌ من حيث الزمن عن نظيرَيْه.
ثانيًا: أن الله أمر الملائكة ومعهم إبليس - وكان من
الجن - بالسجود لآدم، فسجَدَت الملائكة ورفض إبليس، فطبيعة خلقه قابلة للزلل والوقوع في المعصية بخلاف الملائكة.
ثالثًا: أن رفض السجود لم يكن في الحقيقة إلا مظهرًا لمعصية خفيَّة، وهي التكبُّر الممزوج بالحسد
﴿قَالَ لَمۡ أَكُن لِّأَسۡجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقۡتَهُۥ مِن صَلۡصَـٰلࣲ مِّنۡ حَمَإࣲ مَّسۡنُونࣲ﴾ وهذا درسٌ بليغٌ لبني آدم ليحذَروا الآثام الباطنة التي هي أخطر من الآثام الظاهرة.
رابعًا: أن تزيين الباطل هو الأسلوب الذي انتَهَجَه الشيطان لإغواء بني آدم
﴿قَالَ رَبِّ بِمَاۤ أَغۡوَیۡتَنِی لَأُزَیِّنَنَّ لَهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ﴾.
خامسًا: أن الإنسان كلما اقتَرَبَ من عبادة الله ابتَعَدَ عن تأثير وساوس الشيطان
﴿إِنَّ عِبَادِی لَیۡسَ لَكَ عَلَیۡهِمۡ سُلۡطَـٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِینَ﴾.
سادسًا: أن نتيجة هذا الصراع ستقسِم الناس إلى فريقَين: فريق الغاوين
﴿إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِینَ ﴿٤٢﴾ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوۡعِدُهُمۡ أَجۡمَعِینَ﴾، وفريق المتقين
﴿إِنَّ ٱلۡمُتَّقِینَ فِی جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونٍ ﴿٤٥﴾ ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَـٰمٍ ءَامِنِینَ﴾.
سابعًا: أن باب التوبة والمغفرة مفتوحٌ لهذا الإنسان المعرَّض بحكم طبيعة خلقه للنِّسيَان والغفلة والشَّطَط
﴿۞ نَبِّئۡ عِبَادِیۤ أَنِّیۤ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ﴾.