سورة الحجر تفسير مجالس النور الآية 88

لَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَیۡهِمۡ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِینَ ﴿٨٨﴾

تفسير مجالس النور سورة الحجر

المجلس العاشر بعد المائة: توجيهات ختامية


من الآية (85- 99)


حملت هذه السورة توجيهات ختاميَّة مركَّزة لها صلة بحالة الصراع المستمر بين الحقِّ والباطل، والتي شكلت الموضوع الأساس في السورة:
أولًا: التذكير بحكمة الله في هذا الخلق، وأنه ليس هناك مجال للعبث أو الفوضى ﴿وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ ۗ﴾ وهذا الحقُّ مُتضمِّنٌ للجزاء كلٌّ بحسب ما يقدِّم ﴿وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَـَٔاتِیَةࣱۖ﴾، ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسۡـَٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ ﴿٩٢﴾ عَمَّا كَانُواْ یَعۡمَلُونَ﴾.
ثانيًا: أن الذي خلق الخلق هو الذي أنزل القرآن، فلا يصلح هذا الخلق إلا بهذا القرآن ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَـٰكَ سَبۡعࣰا مِّنَ ٱلۡمَثَانِی وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِیمَ﴾ وأن هذا القرآن لا يقبل القِسمة؛ فمَن آمَنَ به آمَنَ به كلَّه، ومن كفَرَ به كفَرَ به كلَّه، أما ﴿ٱلَّذِینَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِینَ﴾ فما وافق هواهم أخذوه، وما خالفه نبذوه، فهؤلاء ما كانوا مؤمنين.
ثالثًا: أن هذا الحقَّ لا يسير لوحده بين الناس، بل لا بدَّ من الدعوة إليه والجهر به ﴿فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِینَ﴾، ﴿وَقُلۡ إِنِّیۤ أَنَا ٱلنَّذِیرُ ٱلۡمُبِینُ﴾.
رابعًا: أن هذه الدعوة تحتاج إلى القلب الموصول بالله ﴿فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِینَ﴾ وتحتاج أيضًا إلى الصبر والحلم ﴿وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ یَضِیقُ صَدۡرُكَ﴾، ﴿فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِیلَ﴾.
خامسًا: أن هذه الدعوة تحتاج أيضًا إلى التواضع والقناعة والرضا بما قسمه الله، والزهد بما في أيدي الناس ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَیۡهِمۡ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِینَ﴾.


﴿فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِیلَ﴾ خُلُق من أخلاق الداعية، فما دام هو في مقام الدعوة فعليه أن يتحمل إساءات المدعوين، وأن يتسع صدره لهم لعله يكون سببًا في إنقاذهم.
﴿سَبۡعࣰا مِّنَ ٱلۡمَثَانِی﴾ سبع آيات تتكرر في كلِّ صلاة، وهي سورة الفاتحة، وخصَّها لبيان فضلها وعظيم شأنها.
﴿لَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ﴾ لا تتطلَّع ولا تتمَنَّ ما عند الآخرين من متاع، فنعمةُ القرآن لا تعدِلُها نعمة، ولا يُدانِيها متاع.
﴿ٱلۡمُقۡتَسِمِینَ﴾ الذين يحلفون على الباطل وأنهم لن يستجيبوا لدعوة الحقِّ.
﴿عِضِینَ﴾ أجزاء مختلفة يتعامَلُون معها بحسب الهوى والمصلحة العاجلة.
﴿إِنَّا كَفَیۡنَـٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِینَ﴾ هؤلاء صِنفٌ هانَتْ عليهم عقولُهم ونفوسُهم فلا يفكرون بمنطق، ولا يعتبرون بعاقبة، لا يسألون ولا يجادلون، واختاروا طريق السخرية والاستهزاء للتشويش على الدعوة؛ ولذلك تعهَّدَ الله بكفِّهم وإزالَتِهم عن الطريق؛ حتى يتمكَّن رسولُ الله من إيصال دعوته للناس وإقامة الحجة عليهم.
وفيه إشارةٌ أن الداعية عليه أن يتجنَّب هذا الصِّنف ولا ينشغِل بهم.