سورة النحل تفسير مجالس النور الآية 37

إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَن یُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِینَ ﴿٣٧﴾

تفسير مجالس النور سورة النحل

المجلس الثالث عشر بعد المائة: النبوة والرسالة


من الآية (36- 47)


بعد بيان عقيدة التوحيد ثم عقيدة الجزاء شرع القرآن في بيان الركن الثالث وهو الإيمان بالرسل وبيان أهميته وموقعه في منظومة الإيمان هذه:
أولًا: أن الله بعث في كلّ أمةٍ رسولًا؛ إذ الحجة لا تقوم إلا بالرسول الذي يبلِّغ الناسَ رسالة الله، ويبيِّن لهم طريقَ الحقّ من طريق الضلال ﴿وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِی كُلِّ أُمَّةࣲ رَّسُولًا﴾.
ثانيًا: أن الرسلَ من جنس البشر، ومحكومون بالناموس الذي يحكم الطبيعة البشريَّة، وإنما يمتازون بالوحي ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالࣰا نُّوحِیۤ إِلَیۡهِمۡۖ﴾.
ثالثًا: أن وظيفة الرسول تبليغ الرسالة وشرحها وتبيينها بالقول والعمل والقدوة الصالحة ﴿بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ یَتَفَكَّرُونَ﴾.
رابعًا: أن الرسول لا يتحكم بقلوب الناس ولا يملك هدايتهم، إذ الهداية بيد الله وحده، وهي جارية وفق سننه ونواميسه العادلة والحاكمة ﴿إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَن یُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِینَ﴾.
خامسًا: أن أساس الرسالة إنما هو توحيد الله ومحاربة الشرك بأصنافه ﴿وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِی كُلِّ أُمَّةࣲ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَۖ﴾.
سادسًا: أن الناس منقسمون في هذه الدعوة على فريقين ﴿فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَیۡهِ ٱلضَّلَـٰلَةُۚ﴾؛ فالأولون يستحقون ثواب الله وكرمه ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣰۖ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأَخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ یَعۡلَمُونَ ﴿٤١﴾ ٱلَّذِینَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ﴾، وأما الآخرون فلهم العذاب ﴿أَفَأَمِنَ ٱلَّذِینَ مَكَرُواْ ٱلسَّیِّـَٔاتِ أَن یَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ یَأۡتِیَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَیۡثُ لَا یَشۡعُرُونَ﴾.


﴿ٱلطَّـٰغُوتَۖ﴾ كلّ معبودٍ من دون الله.
﴿حَقَّتۡ عَلَیۡهِ ٱلضَّلَـٰلَةُۚ﴾ بسعيه لها وإصراره عليها.
﴿لِیُبَیِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِی یَخۡتَلِفُونَ فِیهِ﴾ في الآخرة؛ حيث سيتبيّنُ الجميعُ من الذي كان على الحقّ ومن الذي كان على الباطل، وهذا التبيين لا ينفع المكذّبين، بخلاف تبيين الرسل الذي كان في دار التكليف.
﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣰۖ﴾ المكان الآمن الطيّب وهو هنا مدينة الرسول .
﴿أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ﴾ أهل الكتب المتقدمة؛ فهم يشهدون أن الرسل إنما كانوا رجالًا من جنس البشر، بمعنى أنهم لم يكونوا ملائكةً كما يطلب المشركون.
﴿لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیۡهِمۡ﴾ بالسنَّة القوليّة والفعليّة وبسيرته العطرة .
﴿فِی تَقَلُّبِهِمۡ﴾ في ذهابهم وإيابهم وترددهم في معايشهم وأماكن لهوهم، بمعنى أنهم يكونون في حال أمنهم.
﴿فَمَا هُم بِمُعۡجِزِینَ﴾ بمعجزين الله، فهو القادر على إهلاكهم في الوقت الذي يشاء.
﴿عَلَىٰ تَخَوُّفࣲ﴾ وهم على حالةٍ من الخوف وترقّب العذاب، بخلاف الحالة الأولى.