سورة النحل تفسير مجالس النور الآية 51

۞ وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَـتَّـخِذُوۤاْ إِلَـٰهَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهࣱ وَ ٰ⁠حِدࣱ فَإِیَّـٰیَ فَٱرۡهَبُونِ ﴿٥١﴾

تفسير مجالس النور سورة النحل

المجلس الرابع عشر بعد المائة: حوار مع المشركين


من الآية (48- 64)


بعد بيان العقيدة بأركانها الأساس: التوحيد، والمَعَاد، والنُّبوة؛ شرَعَ القرآن بمحاورة المشركين ودعوتهم لمراجعة موقفهم من هذه الدعوة المباركة:
أولًا: بدأ القرآن بالتذكير أنّ هذا الكون كلّه خاضِعٌ لله بحكم ربوبيته تعالى المطلقة، ويشهد لهذا النظامُ الموحَّدُ الذي ينتظم مفردات هذا الكون كلها، كما مرّ في بداية السورة، يقول القرآن هنا: ﴿أَوَلَمۡ یَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَیۡءࣲ یَتَفَیَّؤُاْ ظِلَـٰلُهُۥ عَنِ ٱلۡیَمِینِ وَٱلشَّمَاۤىِٕلِ سُجَّدࣰا لِّلَّهِ وَهُمۡ دَ ٰ⁠خِرُونَ ﴿٤٨﴾ وَلِلَّهِ یَسۡجُدُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ﴾.
ثانيًا: ثم شرَعَ يُؤكّد ويُقرّر عقيدةَ التوحيد بطريقةٍ حاسمةٍ وقاطعةٍ: ﴿۞ وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَـتَّـخِذُوۤاْ إِلَـٰهَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهࣱ وَ ٰ⁠حِدࣱ فَإِیَّـٰیَ فَٱرۡهَبُونِ﴾.
ثالثًا: ثم ذكَّرَهم بنعم الله عليهم: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةࣲ فَمِنَ ٱلـلَّــهِۖ﴾ أجمَلَ هنا النعمة ثمّ فصّلها فيما بعد كما سيأتي في المجلس التالي.
رابعًا: نبَّهَهم إلى فطرتهم الناطقة بالتوحيد ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَیۡهِ تَجۡـَٔرُونَ ﴿٥٣﴾ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِیقࣱ مِّنكُم بِرَبِّهِمۡ یُشۡرِكُونَ﴾.
خامسًا: عرض عليهم نماذج من السلوك الخاطئ المعبّر عن جهلهم وتخبطهم وضلالهم ﴿وَیَجۡعَلُونَ لِمَا لَا یَعۡلَمُونَ نَصِیبࣰا مِّمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡۗ تَٱللَّهِ لَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَفۡتَرُونَ﴾ حيث كانوا يُقدِّمون النذور والقرابين للأصنام التي صنعوها بأيديهم! ثم قالوا في الملائكة أنهم بنات الله، تعالى الله عن شِركهم وجَهلهم ﴿وَیَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَـٰتِ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا یَشۡتَهُونَ﴾ مع أنهم كانوا يتبرمون بالبنات ويعلنون سخطهم إذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدࣰّا وَهُوَ كَظِیمࣱ ﴿٥٨﴾ یَتَوَ ٰ⁠رَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦۤۚ﴾.
والقرآن هنا كأنه يقول لهم: إذا كانت البنت بهذا السوء، فكيف تنسِبُونها إلى الله، وهو الذي على كلّ شيءٍ قدير، وبكلّ شيءٍ عليم؟! والقصد هنا بيانُ أثر عقيدة الشرك الفاسدة في تصوُّراتهم وسلوكيَّاتهم.
سادسًا: نبَّهَهم إلى أنهم أمام طريقَين وهم يتحملون مسؤوليّة اختيارهم، طريق الحقّ والرحمة والصراط المستقيم المنسجم مع فطرة الإنسان وعقله، وهو المبيّن في الكتاب والسنّة ﴿وَمَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا لِتُبَیِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِی ٱخۡتَلَفُواْ فِیهِ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ﴾، وأما الطريق الآخر فهو طريق الشيطان ﴿تَٱللَّهِ لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَعۡمَـٰلَهُمۡ فَهُوَ وَلِیُّهُمُ ٱلۡیَوۡمَ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ﴾.
سابعًا: حذَّرَهم من عقاب الله، وأنه آتٍ لا محالة في الأجل المسمّى عنده إن هم أصروا على كفرهم وظلمهم ﴿وَلَوۡ یُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَیۡهَا مِن دَاۤبَّةࣲ وَلَـٰكِن یُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۖ فَإِذَا جَاۤءَ أَجَلُهُمۡ لَا یَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةࣰ وَلَا یَسۡتَقۡدِمُونَ﴾ فهذا الأجل من رحمة الله بهم لعلّهم يتذكَّرون ويرجعون.


﴿عَنِ ٱلۡیَمِینِ وَٱلشَّمَاۤىِٕلِ﴾ بحسب حركة ضوء الشمس.
﴿وَهُمۡ دَ ٰ⁠خِرُونَ﴾ خاضعون لسنن الله الحاكمة في هذا الكون.
﴿دَاۤبَّةࣲ﴾ كلّ كائنٍ حيٍّ يتحرك على الأرض، عاقل أو غير عاقل.
﴿وَاصِبًاۚ﴾ دائمًا.
﴿وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدࣰّا﴾ كناية عن شدّة الحزن والانقباض.
﴿كَظِیمࣱ﴾ يكظم حزنه ولا يتحدث به.
﴿یَتَوَ ٰ⁠رَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ﴾ يستخفي عنهم خجلًا مما أصابه!
﴿أَیُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ﴾ يُبقي بنته حية مع الشعور الدائم بالذُّل والهوان!
﴿أَمۡ یَدُسُّهُۥ فِی ٱلتُّرَابِۗ﴾ يدفنها!
﴿أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ﴾ المكانة الحسنة عند الله، بمعنى أنهم يقولون حتى لو كانت هناك آخرة فلا بُدّ أنّ لهم الجنة فيها؛ لأنهم السادات والأشراف، بخلاف الفقراء والعبيد!؛ ولذلك ردّ الله عليهم: ﴿لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ﴾.
﴿مُّفۡرَطُونَ﴾ مُقدَّمون إليها، أي: النار، والعياذ بالله.
﴿تَٱللَّهِ﴾ أسلوب قسَمٍ مثل: والله.