﴿وَإِن كَادُواْ لَیَفۡتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِیۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ لِتَفۡتَرِیَ عَلَیۡنَا غَیۡرَهُۥ ۖ﴾ هذا مطمعهم وغاية مكرهم، لكنَّ هذا لا سبيل لهم إليه؛ للعهد الإلهي الذي لا يتخلَّف بحفظ القرآن
﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، ومن لوازم هذا الحفظ: حفظ الرسول المبلِّغ عن الله، وهذا هو المُحكَم الذي لا ينبغي أن يُعارَض بالمتشابهات، وبالروايات المضطربات والمختلفات.
﴿وَلَوۡلَاۤ أَن ثَبَّتۡنَـٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَیۡهِمۡ شَیۡـࣰٔا قَلِیلًا﴾ تأكيدٌ لعصمته
ﷺ؛ إذ هي من التثبيت الإلهي الذي لا يتطرَّق إليه الشك أو الخرق.
أما المَيل القليل فهو: رغبته - بأبي هو وأمي - أن يهدِيَ الله قومه، والتي ربما دفعَتْه للتفكير بما يتودَّد به إليهم لعلَّه يكسِر فيهم حاجز العناد، وهذا التودُّد إنما هو في باب السياسات والموازنات، كما حصل معه
ﷺ في قصَّة الأعمى، أما أن يتنازل لهم عن حرفٍ واحدٍ مما أُوحِيَ إليه، فهذا المحال الذي ما بعده مُحال.
﴿إِذࣰا لَّأَذَقۡنَـٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَیَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ﴾ أي: عذابًا مُضاعفًا في الحياة بالشقاء والمصائب ونحوها، وعذابًا مضاعفًا في الآخرة، وهو تهديدٌ لمن يُحرِّف الدين إرضاءً لهذا الطرف أو ذاك، وهو تقريرٌ للحكم العام الذي ينطبق على كلِّ مُتلاعِب في الدين، وإن جاء هذا التهديد تفريعًا وجوابًا لقوله:
﴿وَلَوۡلَاۤ أَن ثَبَّتۡنَـٰكَ﴾ الآية؛ إذ إنَّه
ﷺ قد نزَّهَه الله في هذه الآية نفسها وأثبت العصمة له، فيبقى الحكم على غيره قائمًا، ويكون المعنى في النهاية كما تقول العرب: إيَّاكِ أعني واسمَعِي يا جارة.
وشدَّة الوعيد ظاهرة في هذا الخطاب، كأنه يقول لهم: إذا كان هذا جزاء الرسول
ﷺ لو مَالَ عن الحقِّ الذي أوحاه الله إليه وثبَّته عليه، فكيف بغيره؟
﴿لَیَسۡتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ لِیُخۡرِجُوكَ مِنۡهَاۖ﴾ يؤذونك بأصناف الأذى؛ حتى تخرج من مكة على عجل، وقبل الوقت المناسب للهجرة.
﴿وَإِذࣰا لَّا یَلۡبَثُونَ خِلَـٰفَكَ إِلَّا قَلِیلࣰا﴾ تهديدٌ ووعيدٌ لمن يُؤذُون رسولَ الله ويخرجونه من أرضه، بأنهم لا يمكثون في مكة بعده إلا قليلًا، وقد تحقَّق هذا بعد هجرته
ﷺ؛ حيث خرج أبو جهل وكبراء القوم معه فقتَلَهم الله في بدر، ثم أزاحَ الله سلطانهم عن مكة بالكامل بيوم الفتح.
وقد وهِمَ من ظنَّ أنَّ المقصود بهذا الخطاب هم يهود المدينة؛ لمخالفته لظاهر السياق، وكذلك لأن هذه السورة مكيَّة وليست مدنيَّة.
﴿سُنَّةَ مَن قَدۡ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِن رُّسُلِنَاۖ﴾ أنَّ الله يهلك القوم الذين يخرجون رسولهم؛ إذ لا ينزل عذاب الله الشامل على قومٍ وفيهم رسولهم
﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِیهِمۡۚ﴾ [الأنفال: 33].
﴿أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّیۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِۖ﴾ بيان لأوقات الصلوات الخمس، فدلوك الشمس زوالها عن خط الاستواء، وهو وقت صلاة الظهر، وهي أوَّل الصلوات، ثم قال:
﴿إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّیۡلِ﴾ أي: إلى اكتمال ظُلمته بغياب الشفق؛ ليشمل صلاة
العصر والمغرب والعشاء، فهذا وقتٌ ممتدٌّ من الزوال إلى الغَسَق، وليس معناه وقتَين مُحدَّدَين، كما يتوهَّم بعضُهم؛ لأنه قال:
﴿إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّیۡلِ﴾ ولم يقُل: وغَسَق الليل، أما صلاة الفجر فأُفرِدَت؛ لانفرادها في الوقت، وللتذكير بخصوصيتها
﴿إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡهُودࣰا﴾ أي: تشهَده الملائكة، والله أعلم.
﴿نَافِلَةࣰ لَّكَ﴾ زيادة في الحسنات والقربات.
﴿عَسَىٰۤ أَن یَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامࣰا مَّحۡمُودࣰا﴾ الخطاب لرسول الله
ﷺ، والمقام المحمود هو الشفاعة العظمى التي لا تكون لغيره، كما ورد في الأخبار الصحيحة؛ حيث يَلتَجِئُ الخلق جميعهم إليه ليشفع لهم عند ربهم في ذلك اليوم العصيب، وهي شفاعة تُعظِّمُ من شأن رسول الله، وتُظهِرُ منزلته عند الله، وهي سببٌ من أسباب رحمة الله.
أرأَيتَ دعاء الأخ لأخيه، والولد لأبيه؟! إنها أسبابٌ كذلك، إلا أنَّ الشفاعة أعظم وأشمل وأقرب، جعلنا الله ممن يحظَى بها وبمجاورته
ﷺ في تلك الجِنان الباقيات.
﴿وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِی مُدۡخَلَ صِدۡقࣲ وَأَخۡرِجۡنِی مُخۡرَجَ صِدۡقࣲ﴾ أمر بالتضرُّع إلى المولى الجليل أن يجعله صادقًا مصدَّقًا في دخوله وخروجه، وحلِّه وترحاله - في إشارةٍ إلى الهِجرة -، لكنه دعاء عام لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، ولكلِّ حركةٍ وسكَنةٍ.
فالمؤمن يخرج من مكانٍ إلى مكانٍ، ومن وقتٍ إلى وقتٍ، ومن حالٍ إلى حالٍ، وختامها خروجه من دار الممر والاختبار ودخوله في دار الجزاء والقرار، وهو في كلِّ هذا ينبغي أن يستشعر حاجته إلى هذا الدعاء الصادق الودود، فالعبرة دائمًا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أو المناسبة.
﴿وَقُلۡ جَاۤءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَـٰطِلُۚ﴾ إشارةٌ إلى أن الباطل يزهق عند ورود الحقِّ عليه ومزاحمته له، وهي مسؤوليَّةٌ تكليفيَّة لا تخفى.
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَاۤءࣱ وَرَحۡمَةࣱ﴾ لعِلَل الحياة وأدوائها، و
﴿مِنَ﴾ للتبعيض؛ لأن القرآن ينزل مُنجَّمًا بحسب الحاجة والسؤال، وقد أكَّدت هذا المعنى خواتيم السورة
﴿وَقُرۡءَانࣰا فَرَقۡنَـٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثࣲ وَنَزَّلۡنَـٰهُ تَنزِیلࣰا﴾.
﴿عَلَىٰ شَاكِلَتِهِۦ﴾ على طريقته.
﴿وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّی وَمَاۤ أُوتِیتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِیلࣰا﴾ الروح كائنٌ لطيفٌ حالٌّ في جسد الإنسان، وله آثاره المعروفة في وعي الإنسان وشعوره وسلوكه، لكن هذا الكائن ليس من جنس الكائنات المادّية التي تُدرك بالحواس، ولا يُقدَّر بمقادير الأحجام والأوزان والأشكال والألوان، ومن ثَمَّ فإنَّ السؤال عن ماهيَّة هذا الكائن قد يُقصَدُ به التعجيز، أو هو على الأقلِّ نوعٌ من التكلُّف الذي لا يُناسِبُ حاجةَ البشر ولا قُدراتهم الإدراكيّة، ولو أخبَرَنا الله بماهيَّته فرضًا، فإن لُغَتَنا الآدميَّة غير قادرة على فهم هذا التعريف؛ إذ إن اللغة لوحدها مهما كانت فصيحة فإنها لا تنقل الصورة ما لم يسبقها تصوُّر سابق مبني على الحس.
فلو سمِعتَ مثلًا كلمة أسد، فإن هذه الكلمة لا تنقل لك صورة الأسد وحقيقته ما لم تكن قد رأيتَ صورةً للأسد من قبل، بمعنى أنك حينما تسمع أي كلمة، فإن العقل يستدعي الصورة المقترنة بهذه الكلمة والمخزونة في الذاكرة، وهذه مشكلة الإدراك البشري في كلّ المفردات التي تأتيها من بيئة أخرى، فما بالك بعالم الغيب؟
وقد اضطربت الروايات في تحديد السائل، والظاهر من سياق السورة ووقت نزولها أنهم المشركون من أهل مكة، ولا يبعُد أن يكون اليهود هم مَن لقَّن المشركين هذا السؤال، ولا مانع أيضًا أنهم - أي: اليهود - قد كرَّروا هذا السؤال في المدينة بعد الهجرة، ولا مانع أيضًا أن المشركين بادروا بهذا السؤال من أنفسهم؛ لأنه سؤالٌ إنسانيٌّ عامٌّ ومتكررٌ في كلِّ جيل، ومهما كان مصدر السؤال فإن المغزَى من الآية في بيان عجز الخلق عن إدراك مثل هذه الحقائق الغيبية واحد ولا يختلف.
﴿وَلَىِٕن شِئۡنَا لَنَذۡهَبَنَّ بِٱلَّذِیۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ﴾ تأكيد لإرادة الله المطلقة، لكن الله بإرادته سبحانه قد تعهَّد بحفظ هذا القرآن، وبإكمال الدين وإتمام النعمة.
﴿قُل لَّىِٕنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰۤ أَن یَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا یَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضࣲ ظَهِیرࣰا﴾ إعلان للتحدي العام الذي يشمل كلَّ الإنس وكلَّ
الجن ولو كانوا مجتمعين عليه ومتعاونين، وقد مضى على هذا الإعلان أربعة عشر قرنًا دون أن يستجيب أحد منهم لهذا التحدِّي، وهذا هو الإعجاز الحقُّ.
أما وجهُ الإعجاز فهو عامٌّ أيضًا في كلِّ آيات القرآن بأسلوبه وبيانه ومعانيه وأخباره وأحكامه، ولا دليل على تخصيص وجهٍ دون وجهٍ.
﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِی هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلࣲ﴾ فصَّلنا كلَّ المعاني التي تنفع الناس، وتُلبِّي حاجاتهم، وتُوضِّح لهم طريق الحقِّ من طريق الباطل.
﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ یَنۢبُوعًا﴾ بعد أن عجزوا عن مجاراة القرآن، ذهبوا للطريق التي لا تجديهم نفعًا، فراحوا يقدِّمون طلباتهم وشروطهم للاستجابة، وكأنهم هم المتفضِّلُون على الله إن هم آمنوا به وبرسوله.
﴿كِسَفًا﴾ قطعًا.
﴿قُل لَّوۡ كَانَ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَلَـٰۤىِٕكَةࣱ یَمۡشُونَ مُطۡمَىِٕنِّینَ لَنَزَّلۡنَا عَلَیۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَلَكࣰا رَّسُولࣰا﴾ لأنّ الرسول إنما يكون من جنس قومه.
﴿وَنَحۡشُرُهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ﴾ أي: مكبوبين عليها من الذلِّ والصَّغار.
﴿تِسۡعَ ءَایَـٰتِۭ﴾ المعجزات التي أيَّد الله بها نبيَّه ورسوله موسى
عليه السلام، كالعصا والطوفان وانفلاق البحر وغيرها.
﴿قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَاۤ أَنزَلَ هَـٰۤـؤُلَاۤءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ﴾ إثبات العلم لفرعون بحقيقة هذه الآيات ومصدرها دليلٌ على أنَّ فرعون لم يكن جاهلًا برسالة موسى، وإنَّما هو العناد والكبر.
﴿مَثۡبُورࣰا﴾ هالكًا.
﴿فَأَرَادَ أَن یَسۡتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ﴾ أراد أن يحمِلَهم على التعجُّل بالخروج.
﴿فَأَغۡرَقۡنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ جَمِیعࣰا﴾ فيه تهديدٌ ضمنيٌّ لأهل مكة الذين كانوا يمكُرُون برسول الله
ﷺ ليحملوه على ترك مكة.
﴿فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡأَخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِیفࣰا﴾ الظاهر من سياق السورة كلها أن القرآن يتكلم عن تجميع اليهود في فلسطين من كل أصقاع العالم، والواقع يصدِّق هذا الفهم، وهذه الآخرةُ سيُسلِّطُ الله عليهم مَن يسُومهم كما في المرَّات السابقة؛ تحقيقًا لوعدِه الحقِّ:
﴿وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ﴾.
﴿وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَـٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَۗ﴾ صفتان للقرآن الكريم بلفظَين مُتقاربَين، فالصفة الأولى تعني: أنّه ثابتٌ ومتيقّنٌ أنّه مُنزَّلٌ مِن الله بلا شكٍ ولا ريبٍ، والثانية: أنَّه نزل بين الناس ليُقيم الحقَّ الذي هو ضدّ الباطل
﴿وَقُلۡ جَاۤءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَـٰطِلُۚ﴾.
﴿وَقُرۡءَانࣰا فَرَقۡنَـٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثࣲ﴾ أي: أنزلناه مفرَّقًا بحسب النوازل وتجدد الحاجات.
﴿یَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ سُجَّدࣰا﴾ يسقطون عليها سجَّدًا لله، والذقن: مجمع اللحيَيْن أسفل الوجه، وفي الآية تنويهٌ بمكانة العُلماء الربَّانيِّين الذين يتدبّرون القرآنَ عن علمٍ وبصيرةٍ، جعلَنا الله تعالى مِنهم.
﴿وَیَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ یَبۡكُونَ وَیَزِیدُهُمۡ خُشُوعࣰا ۩﴾ تأكيدٌ لتأثير نور القرآن في تلك النفوس الزكيّة، فالقرآن ليس كتاب معلومات ومعارف مجردة، إنَّه النور الذي يُخالِطُ القلوب والأرواح، ويَسقِيها من فَيضِه النقيِّ؛ لتُثمِرَ السلوكَ الأجمل والأكمل في هذه الحياة.
﴿قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَـٰنَۖ أَیࣰّا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ﴾ تذكيرٌ بعظمة أسمائه سبحانه، فلكلِّ اسمٍ معنًى لطيف يُسهِم في بناء هذا الإنسان من داخله، ويُقرِّبه من خالقه.
وقد خصَّ هنا اسمه (الرحمن) بالذكر؛ تنبيهًا على صفة الرحمة الغالبة على أسمائه وصفاته تبارك وتعالى، ولتلقي في النفوس المتعبة معنًى جميلًا، وظِلًّا ظليلًا.
﴿وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَ﴾ تعليمٌ وتدريبٌ على الاعتدال في كلِّ شيء، فلا ترفع الصوت بالمستوى الذي يُشوِّش على غير المصلِّين، ولا تُخافِت به فلا يسمَعه المصلُّون، فرفع الصوت إنَّما يكون بقدر الحاجة، وهكذا يكون كلُّ سلوك المؤمن في حركته وسكَنَته، ومأكله ومشربه، ونومته ويقظته.
﴿وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ شَرِیكࣱ فِی ٱلۡمُلۡكِ﴾ تأكيدٌ لتوحيده تعالى في المُلك؛ إذ لا مالك لهذا الكون سواه، بحكم أنه لا خالق له غيره.
﴿وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ وَلِیࣱّ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ﴾ أي: لم يتَّخِذ نصيرًا له بسبب ذلٍّ أصابه أو يتخوفه - تعالى عن ذلك -، فهو العزيز الغني عن خلقه، وكلُّ خلقه مفتقرٌ إليه، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.