﴿یَـٰۤأَبَتِ إِنِّی قَدۡ جَاۤءَنِی مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَمۡ یَأۡتِكَ فَٱتَّبِعۡنِیۤ أَهۡدِكَ صِرَ ٰطࣰا سَوِیࣰّا﴾ فيه أنَّ صراط الله المستقيم إنما يُعرف بالعلم، وليس بالجهل أو الخرافة مما يسمِّيه الناس إيمان العجائز، أو الدروشة البعيدة عن منهج الاستدلال والاستنباط.
وفيه أيضًا أنَّ الداعي إلى الحقِّ ينبغي أن يُظهِر ما عنده من العلم؛ لينال ثقة المدعوِّين بما عنده، والتذرُّع بالتواضع وكراهة الظهور تذرُّع فاسد، وقد مرَّ معنا قول السِّبط يوسف
عليه السلام:
﴿قَالَ ٱجۡعَلۡنِی عَلَىٰ خَزَاۤىِٕنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمࣱ﴾ [يوسف: 55].
﴿مَلِیࣰّا﴾ زمنًا طويلًا.
﴿سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّیۤۖ﴾ أطلُبُ منه سبحانه أن يغفرَ لك ذنبكَ.
وهنا مسألةٌ دقيقةٌ، وخلاصةُ القول فيها: أنَّ استغفار المسلم لغيره إن كان بمعنى طلب الهداية له، فهذا أمرٌ مشروعٌ ولا غُبار عليه، وإن كان بمعنى طلب العفو عنه مع بقائه على الشرك، أو أنّه قد مات على الشرك، فهذا محظورٌ؛ لقوله تعالى:
﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَغۡفِرُ أَن یُشۡرَكَ بِهِۦ وَیَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَ ٰلِكَ لِمَن یَشَاۤءُۚ﴾، وعلى هذا يُحمل قوله تعالى:
﴿مَا كَانَ لِلنَّبِیِّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤاْ أَن یَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِینَ وَلَوۡ كَانُوۤاْ أُوْلِی قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ ﴿١١٣﴾ وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَ ٰهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةࣲ وَعَدَهَاۤ إِیَّاهُ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُۥۤ أَنَّهُۥ عَدُوࣱّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ ﮊ﴾ [التوبة: 113، 114].
﴿إِنَّهُۥ كَانَ بِی حَفِیࣰّا﴾ من الحفاوة واللطف والإكرام.
﴿فَلَمَّا ٱعۡتَزَلَهُمۡ وَمَا یَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبۡنَا لَهُۥۤ إِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَۖ﴾ من زوجته التي هاجرت معه واعتزلت قومها أيضًا، وهذه مناسبة ذكر إسحاق دون إسماعيل، ثم أفرَدَ الله ذِكرَ إسماعيل لمناسبة أخرى، وهي رعايته لأهله وحرصه عليهم، كما مرَّ.
﴿وَنَـٰدَیۡنَـٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلۡأَیۡمَنِ﴾ أي: من الجانب الأيمن للطور بالنسبة لموقف موسى
عليه السلام، و
الطور جبل معروف.
﴿وَقَرَّبۡنَـٰهُ نَجِیࣰّا﴾ أي: مُناجيًا.
﴿وَٱذۡكُرۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ إِدۡرِیسَۚ﴾ نموذجٌ آخر، وقد أفاد التذكيرُ به معنى العمق التاريخي الطويل لهذه الدعوة المباركة؛ حيث إنه
عليه السلام عاشَ بين آدم ونوح، ومن ثَمَّ جاء التذكير بهما أيضًا لتأكيد هذا المعنى
﴿أُوْلَــٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مِن ذُرِّیَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحࣲ﴾ عليهم وعلى نبيِّنا الأكرم صلواتُ الله وتسليماتُه.