سورة المؤمنون تفسير مجالس النور الآية 27

فَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡیُنِنَا وَوَحۡیِنَا فَإِذَا جَاۤءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِیهَا مِن كُلࣲّ زَوۡجَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَیۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَـٰطِبۡنِی فِی ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ ﴿٢٧﴾

تفسير مجالس النور سورة المؤمنون

المجلس التاسع والأربعون بعد المائة: دعوة النبيين السابقين


من الآية (23- 52)


يذكِّرُ القرآن الكريم في هذه الآيات بأخبار بعض النبيين السابقين على نبيِّنا وعليهم الصلاة والتسليم الذين تقدَّم ذكرهم مُفصَّلًا في السور المتقدِّمة، وكأنَّه يُقدِّمُهم هنا نماذجَ لمَن تمثَّلَت فيهم صفات المؤمنين التي جرَت معنا في المقطع السابق، والأنبياء الذين ذكَرَهم القرآن هنا هم:
أولًا: نوح عليه السلام؛ حيث دعا قومه إلى التوحيد فأبَوا، واتهموه بشتى التهم، فأهلكهم الله بالطوفان، ونجَّى الله نوحًا ومَن معه بسفينةٍ صنعها نوحٌ بأمرٍ من ربِّه  ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۤۚ أَفَلَا تَـتَّـقُونَ ﴿٢٣﴾ فَقَالَ ٱلۡمَلَؤُاْ ٱلَّذِینَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا هَـٰذَاۤ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ یُرِیدُ أَن یَتَفَضَّلَ عَلَیۡكُمۡ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَـٰۤىِٕكَةࣰ مَّا سَمِعۡنَا بِهَـٰذَا فِیۤ ءَابَاۤىِٕنَا ٱلۡأَوَّلِینَ ﴿٢٤﴾ إِنۡ هُوَ إِلَّا رَجُلُۢ بِهِۦ جِنَّةࣱ فَتَرَبَّصُواْ بِهِۦ حَتَّىٰ حِینࣲ ﴿٢٥﴾ قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِی بِمَا كَذَّبُونِ ﴿٢٦﴾ فَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡیُنِنَا وَوَحۡیِنَا فَإِذَا جَاۤءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِیهَا مِن كُلࣲّ زَوۡجَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَیۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَـٰطِبۡنِی فِی ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ ﴿٢٧﴾ فَإِذَا ٱسۡتَوَیۡتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلۡفُلۡكِ فَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ ﴿٢٨﴾ وَقُل رَّبِّ أَنزِلۡنِی مُنزَلࣰا مُّبَارَكࣰا وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلۡمُنزِلِینَ ﴿٢٩﴾ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ وَإِن كُنَّا لَمُبۡتَلِینَ﴾.
ثانيًا: هود عليه السلام؛ الذي بعثَه الله إلى قومه عاد، فدعاهم إلى التوحيد كما دعا نوح قومَه، فكذَّبوه كذلك، فأهلَكَهم الله بالصَّيحَة ﴿ثُمَّ أَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِینَ ﴿٣١﴾ فَأَرۡسَلۡنَا فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۤۚ أَفَلَا تَـتَّـقُونَ ﴿٣٢﴾ وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِ ٱلَّذِینَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَاۤءِ ٱلۡأَخِرَةِ وَأَتۡرَفۡنَـٰهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا مَا هَـٰذَاۤ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ یَأۡكُلُ مِمَّا تَأۡكُلُونَ مِنۡهُ وَیَشۡرَبُ مِمَّا تَشۡرَبُونَ ﴿٣٣﴾ وَلَىِٕنۡ أَطَعۡتُم بَشَرࣰا مِّثۡلَكُمۡ إِنَّكُمۡ إِذࣰا لَّخَـٰسِرُونَ ﴿٣٤﴾ أَیَعِدُكُمۡ أَنَّكُمۡ إِذَا مِتُّمۡ وَكُنتُمۡ تُرَابࣰا وَعِظَـٰمًا أَنَّكُم مُّخۡرَجُونَ﴿٣٥﴾ ۞ هَیۡهَاتَ هَیۡهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴿٣٦﴾ إِنۡ هِیَ إِلَّا حَیَاتُنَا ٱلدُّنۡیَا نَمُوتُ وَنَحۡیَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِینَ ﴿٣٧﴾ إِنۡ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبࣰا وَمَا نَحۡنُ لَهُۥ بِمُؤۡمِنِینَ ﴿٣٨﴾ قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِی بِمَا كَذَّبُونِ ﴿٣٩﴾ قَالَ عَمَّا قَلِیلࣲ لَّیُصۡبِحُنَّ نَـٰدِمِینَ ﴿٤٠﴾ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّیۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ فَجَعَلۡنَـٰهُمۡ غُثَاۤءࣰۚ فَبُعۡدࣰا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾.
ثالثًا: موسى وهارون عليهما السلام؛ حيث أرسَلَهما الله إلى فِرعون وملَئِه، فاستكبَروا فأهلَكَهم الله ﴿ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَـٰرُونَ بِـَٔایَـٰتِنَا وَسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینٍ ﴿٤٥﴾ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِیْهِۦ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمًا عَالِینَ ﴿٤٦﴾ فَقَالُوۤاْ أَنُؤۡمِنُ لِبَشَرَیۡنِ مِثۡلِنَا وَقَوۡمُهُمَا لَنَا عَـٰبِدُونَ ﴿٤٧﴾ فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡلَكِینَ ﴿٤٨﴾ وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ لَعَلَّهُمۡ یَهۡتَدُونَ﴾.
رابعًا: عيسى بن مريم عليهما السلام، وكيف جعَلَهما الله آيةً مِن آياته، وأمدَّهما بمَدَده وعَونه ورِعايته ﴿وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡیَمَ وَأُمَّهُۥۤ ءَایَةࣰ وَءَاوَیۡنَـٰهُمَاۤ إِلَىٰ رَبۡوَةࣲ ذَاتِ قَرَارࣲ وَمَعِینࣲ﴾.
خامسًا: في خِضَمِّ ذِكْر القرآن لهذه النماذج المُباركة، أشار أيضًا إشارةً سريعةً لباقِي الأنبياء عليهم السلام الذين جاءوا بعد هود وقبل موسى ﴿ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡرَاۖ كُلَّ مَا جَاۤءَ أُمَّةࣰ رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُۖ فَأَتۡبَعۡنَا بَعۡضَهُم بَعۡضࣰا وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَحَادِیثَۚ فَبُعۡدࣰا لِّقَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ﴾.


﴿فَقَالَ ٱلۡمَلَؤُاْ﴾ هم رُؤوس القوم ووجهاؤهم.
﴿یُرِیدُ أَن یَتَفَضَّلَ عَلَیۡكُمۡ﴾ يريد أنْ يَسودكم ويعلو عليكم.
﴿بِهِۦ جِنَّةࣱ﴾ أصابه الجنون، حاشاه.
﴿فَتَرَبَّصُواْ بِهِۦ حَتَّىٰ حِینࣲ﴾ فانتَظَروه حتى يموت.
﴿ٱنصُرۡنِی بِمَا كَذَّبُونِ﴾ انتقِم منهم؛ لأنّهم كذَّبوني.
﴿أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡیُنِنَا﴾ اصنَعها برعايتنا وحفظنا.
﴿وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ﴾ فارَت عينُ الماء، وقد تقدَّم بيانه في سورة هود.
﴿فَٱسۡلُكۡ فِیهَا مِن كُلࣲّ زَوۡجَیۡنِ﴾ أدخِل في السفينة مِن كلِّ صِنفٍ مِن أصناف الحيوانات ذكرًا وأنثى.
﴿وَلَا تُخَـٰطِبۡنِی فِی ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤاْ﴾ بالدعاء لهم مِن أجل إنقاذهم.
﴿فَإِذَا ٱسۡتَوَیۡتَ﴾ استقرَرْتَ.
﴿وَإِن كُنَّا لَمُبۡتَلِینَ﴾ نبتَلِي الناسَ ونختَبِرهم.
﴿ثُمَّ أَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ﴾ مِن بعدِ قوم نوح.
﴿قَرۡنًا ءَاخَرِینَ﴾ عاد.
﴿فَأَرۡسَلۡنَا فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ﴾ هو هود عليه السلام ولم يُسمِّه هنا، وقصته معروفة ومُكرَّرة في القرآن.
﴿وَأَتۡرَفۡنَـٰهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا﴾ جعلناهم أصحاب تَرفٍ ونعيمٍ.
﴿أَیَعِدُكُمۡ أَنَّكُمۡ إِذَا مِتُّمۡ وَكُنتُمۡ تُرَابࣰا وَعِظَـٰمًا أَنَّكُم مُّخۡرَجُونَ﴾ مبعُوثون مِن جديد للحساب.
﴿۞ هَیۡهَاتَ هَیۡهَاتَ﴾ كلمة تستعمل لاستبعاد الأمر وإنكار وقوعه.
﴿فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّیۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ﴾ بما استحقُّوه بسبب كفرهم وظلمهم.
﴿غُثَاۤءࣰۚ﴾ هلكَى لا حِراك بهم، وأصل الغُثاء: ما يحمِلُه السَّيل مِن زبدٍ وبقايا نباتٍ وحطبٍ.
﴿مَا تَسۡبِقُ مِنۡ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا یَسۡتَـٔۡخِرُونَ﴾ فلكلِّ أمةٍ بدايةٍ ونهايةٍ، تطول وتقصر، تمامًا كآجال الآحاد.
﴿تَتۡرَاۖ﴾ مُترادِفين ومُتتابِعين، والكلمة تُوحِي بالكثرة.
﴿وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَحَادِیثَۚ﴾ قصصًا وحكايات للمَثَل والعبرة بعد أن أهلكهم الله.
﴿وَكَانُواْ قَوۡمًا عَالِینَ﴾ مُستكبرين.
﴿وَقَوۡمُهُمَا لَنَا عَـٰبِدُونَ﴾ أي: قوم موسى وهارون، وهم بنو إسرائيل الذين كان يستعبِدُهم فرعون وقومه.
﴿رَبۡوَةࣲ﴾ مكان مرتفع.
﴿ذَاتِ قَرَارࣲ﴾ مُهيَّأة للراحة والاستقرار.
﴿وَمَعِینࣲ﴾ ماء جارٍ.
﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَـٰلِحًاۖ﴾ فالصلاح لا يستلزم الحرمان والفقر، بل العناية بالجسد بالغذاء والدواء والرياضة تُعينُ على العمل الصالح.
﴿وَإِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ﴾ تأكيد مُتكرِّر بوحدة الرسالات، ووحدة المصدر والمصير؛ فالأنبياء جميعًا إنما يعبدون ربًّا واحدًا، ويستَقُون من منبعٍ واحدٍ، ويسعَون لغايةٍ واحدةٍ عليهم السلام.