ولهذا قال: {ولا يأتونَكَ بِمَثَلٍ}: يعارضون به الحقَّ ويدفعون به رسالتك، {إلاَّ جئناك بالحقِّ وأحسنَ تفسيراً}؛ أي: أنزلنا عليك قرآناً جامعاً للحقِّ في معانيه والوضوح والبيان التامِّ في ألفاظِهِ؛ فمعانيه كلُّها حقٌّ وصدقٌ لا يشوبها باطلٌ ولا شبهةٌ بوجه من الوجوه، وألفاظُهُ وحدودُهُ للأشياء أوضحُ ألفاظاً وأحسنُ تفسيراً، مبين للمعاني بياناً كاملاً. وفي هذه الآية دليلٌ على أنَّه ينبغي للمتكلِّم في العلم من محدِّث ومعلِّم وواعظٍ أن يقتدي بربِّه في تدبيره حال رسوله، كذلك العالم يدبِّر أمر الخلق، وكلَّما حدث موجبٌ أو حصل موسمٌ؛ أتى بما يناسب ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبويَّة والمواعظ الموافقة لذلك. وفيه ردٌّ على المتكلِّفين من الجهميَّة ونحوهم ممَّن يرى أنَّ كثيراً من نصوص القرآن محمولةٌ على غير ظاهرها، ولها معانٍ غير ما يُفْهَم منها؛ فإذاً على قولهم لا يكون القرآن أحسنَ تفسيراً من غيره، وإنما التفسير الأحسن على زعمهم تفسيرُهم الذي حرَّفوا له المعاني تحريفاً!