﴿تَبَارَكَ﴾ تقدَّس وتعظَّم.
﴿ٱلۡفُرۡقَانَ﴾ اسمٌ مِن أسماء القرآن؛ لأن غايتَه التفريق بين الحقِّ والباطل.
﴿عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ﴾ هو نبيُّنا الكريم محمد
ﷺ.
﴿لِیَكُونَ لِلۡعَـٰلَمِینَ نَذِیرًا﴾ صفةٌ للرسول
ﷺ أو للقرآن، وكلاهما بمعنًى، فالرسول إنَّما يكون نذيرًا بهذا القرآن.
﴿وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ شَرِیكࣱ فِی ٱلۡمُلۡكِ﴾ تأكيدٌ لأصلٍ من أصول التوحيد، وهو وحدانيته تعالى في المُلك؛ إذ هو المالك لكلِّ شيءٍ بحكم أنَّه الخالق لكلِّ شيءٍ.
﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَیۡءࣲ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِیرࣰا﴾ فكلُّ مخلوقٍ له خصوصيته ووظيفته وحدُّه الذي لا يتجاوزه، وهنا إشارةٌ أنَّ الهَديَ القرآني يُحقِّقُ انسجام الإنسان مع سُنن الله في هذا الكون.
﴿وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦۤ ءَالِهَةࣰ﴾ أي: مِن دون إذنه، وإلا فهم يعبُدُونهم تقرُّبًا إلى الله بزعمهم.
﴿لَّا یَخۡلُقُونَ شَیۡـࣰٔا﴾ تأكيد أنَّ الذي يستحقُّ الألوهيَّة إنَّما هو الذي يخلُق، أما المخلوق فواجبه الخضوع لإرادة الخالق وأمره ونهيه.
﴿إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَیۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَۖ﴾ تهمةٌ يُطلِقُها المشركون بعد أن أدهشَتْهم حقائق القرآن، وأثبَتَت عجزَهم وعجزَ آلهتهم عن مُجاراتها، فهم يرمونه
ﷺ باختلاق القرآن، ويتَّهمُونه أيضًا بالاستعانة بآخرين، يُشيرون إلى علماء أهل الكتاب، وقد ردَّ القرآن هذه التهمة على قائليها:
﴿فَقَدۡ جَاۤءُو ظُلۡمࣰا وَزُورࣰا﴾.
﴿وَقَالُوۤاْ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ ٱكۡتَتَبَهَا﴾ الأساطير ما سطَّرَه الأقدمون مِن قصصٍ وحكاياتٍ بلا دليلٍ ولا بينةٍ، والمشركون إنَّما يَعنُون به القرآن، وهذا من تمام تخبُّطهم، وفَقْد صوابهم، ولو أزاحوا عن عيونهم غشاوةَ الحسد والتكبُّر الفارغ، لآمنوا به واستسلموا له قبل غيرهم؛ لِما يعرفونه من لغة القرآن وبيانه وفصاحته، وقد نزل بلغتهم، ولِما يعرفونه عن نبيِّهم الذي وُلِد ونشأ بين ظهرانيهم، والذي كانوا يسمُّونه الصادق الأمين قبل البعثة.
﴿بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلࣰا﴾ البُكرة أول النهار، والأصيل آخره.
﴿قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِی یَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ ﮌ﴾ إشارة لتحقُّق الانسِجام بين سُنن الله في السماوات والأرض، وبين ما جاء في هذا القرآن من أخبارٍ وأحكامٍ.
﴿وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ یَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَیَمۡشِی فِی ٱلۡأَسۡوَاقِ﴾ جنوحٌ غريبٌ في الناس للتقليل من شأن من يخالطهم ويعيش معهم في تفاصيل حياتهم بآلامهم وآمالهم، وكأنَّ الذي يستحقُّ الاتباع والاقتداء إنَّما هو ذلك الذي يعيش في أبراجٍ مرتفعةٍ عليهم، ومُستعليةٍ على واقعهم، هذا الج
نوح المتكرِّر والمعتاد هو الذي صنَعَ الطواغيتَ البشريَّة في كلِّ جيل.
﴿لَوۡلَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مَلَكࣱ فَیَكُونَ مَعَهُۥ نَذِیرًا﴾ يقولون: هلَّا أنزل الله معه ملكًا ليصدِّقه ويُعاونه في تبليغ الرسالة، ومن ثَمَّ ليتميَّز عليهم نبيُّهم، فلا يكون بشرًا مثلهم.
﴿أَوۡ یُلۡقَىٰۤ إِلَیۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةࣱ یَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ﴾ تأكيد لذلك الج
نوح نحو البحث عن المتبوع الذي يتميَّز عليهم، ويتعالَى عليهم حتى بمعيشته ومستوى رفاهيَّته، ولا مانع أن تكون هذه الشروط نوعًا مِن التعجيز والمماحكة الباطلة، لكن السلوك البشري العام شاهد أيضًا على وجود هذه الظاهرة في الحياة الإنسانية.
﴿وَقَالَ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَـتَّـبِعُونَ إِلَّا رَجُلࣰا مَّسۡحُورًا﴾ دلالة أنَّ مَن يتهم الرسول بالسحر أو أنَّه يتأثر به في رسالته وبعثته ووظيفته، فقد ارتكب إثمًا وظلمًا مبينًا.
﴿ٱنظُرۡ كَیۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ﴾ الصفات والتشبيهات الباطلة، فكان هذا سببًا في ضلالهم
﴿فَضَلُّواْ فَلَا یَسۡتَطِیعُونَ سَبِیلࣰا﴾.
﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِیۤ إِن شَاۤءَ جَعَلَ لَكَ خَیۡرࣰا مِّن ذَ ٰلِكَ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ وَیَجۡعَل لَّكَ قُصُورَۢا﴾ نعم؛ فالله على كلِّ شيءٍ قدير، لكن مقياس التفاضل بين الناس لا يصحُّ أن يكون بهذا المتاع الزائل، فكيف بالنبيِّ الذي شرَّفَه الله بالوحي، واصطفاه بالرسالة، وجعَلَه المثَلَ
الأعلى والأسوةَ الحسنةَ لعباده، وأيَّده بالمعجزات الباهرات؟!
إنها انتكاسة العقل حينما يَعمَى عن كلِّ هذا، ثم يبحث في مُمتلكات النبيِّ ومُقتنياته المادية ليجعلها مقياسًا لصدقه أو كذبه! أو ليرى هل هو جديرٌ بالاتباع أو لا!
﴿بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِۖ﴾ إشارة إلى أن سبب تخبُّطهم هذا إنَّما هو في تنكُّرهم ليوم الحساب، فغَدَت الدنيا بالنسبة لهم مَسرحًا للهو والعبث، والتنصُّل عن كلِّ مسؤوليَّة.
﴿إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِیدࣲ﴾ أي: أول ما يظهروا لها - أي: النار -، وعبَّر بالرؤية كأنَّها تحسُّ بهم وتتشوَّف لهم؛ لأنَّها لم تُخلق إلا لهم.
﴿سَمِعُواْ لَهَا تَغَیُّظࣰا وَزَفِیرࣰا﴾ التغيُّظ: همهَمةُ المُغتاظ الغاضب، والزفير: صوت الهواء الخارج من الصدر، وهذه صورةٌ تخلَعُ القلوبَ بخوفها ورُعبها، فكأنَّ جهنَّم - أعاذَنا الله منها - كائنٌ حيٌّ وقد مُلِئَ صدره بالحنق والغضب.
﴿وَإِذَاۤ أُلۡقُواْ مِنۡهَا مَكَانࣰا ضَیِّقࣰا﴾ والضيقُ لوحده عذابٌ، فكيف إذا كان بين لَهِيبها ودخانها!
﴿مُّقَرَّنِینَ﴾ مُصفَّدين، قد قُرِنَت أيديهم مع أعناقهم.
﴿ثُبُورࣰا﴾ هلاكًا.
﴿وَٱدۡعُواْ ثُبُورࣰا كَثِیرࣰا﴾ ادعوا - والخطاب للمشركين - بالهلاك على أنفسكم كثيرًا.
﴿جَنَّةُ ٱلۡخُلۡدِ﴾ الجنَّة الباقية الخالدة.
﴿وَعۡدࣰا مَّسۡـُٔولࣰا﴾ مطلوبًا ومأمولًا، ويتطلَّع له المؤمنون كلَّ حين.
﴿وَیَوۡمَ یَحۡشُرُهُمۡ وَمَا یَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ﴾ أي: المشركين والذين اتخذوهم آلهة من دون الله.
﴿قَالُواْ سُبۡحَـٰنَكَ مَا كَانَ یَنۢبَغِی لَنَاۤ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِیَاۤءَ﴾ هذا جواب الأنبياء والملائكة الذين اتخذهم المشركون آلهة، يقولون: إننا لم نتخذ من دونك وليًّا ومعبودًا، فكيف ندعو هؤلاء المشركين لعبادتنا؟
ولا يبعُد أيضًا أن يكون هذا جواب الصالحين الذين صوَّرهم المشركون على هيئة الأصنام فعَبَدوهم من دون الله.
﴿وَلَـٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَاۤءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ﴾ بيان لسبب ضلالهم أنَّهم طالَ بهم الأمد حتى نسوا كتاب الله المنزَّل على أنبيائهم، والظاهر أنَّه مِن جواب النبيين الذين عُبِدوا مِن دون الله كعيسى وعُزَير
عليهما السلام.
﴿وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورࣰا﴾ هالِكين.
﴿فَقَدۡ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ﴾ أي: إن الأنبياء والملائكة والصالحين الذين اتَّخذتموهم آلهة ها هُم يتبرَّؤون مِنكم ومِن عبادتكم، ويُكذِّبُونكم فيما تدَّعون.
﴿فَمَا تَسۡتَطِیعُونَ صَرۡفࣰا وَلَا نَصۡرࣰاۚ﴾ لا يقدرون على صَرف العذاب عنهم ولا الانتصار لأنفسهم.
﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ إِلَّاۤ إِنَّهُمۡ لَیَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَیَمۡشُونَ فِی ٱلۡأَسۡوَاقِۗ﴾ إذ الأنبياء بشر لا يتميَّزُون عن سائر البشر إلا بما فضَّلَهم الله به من النبوَّة وما تَستَتبِعُه مِن شرائط التبليغ ومُتطلَّبات التأسِّي، فأكل الطعام ليس منقصة، وكذلك المشي في الأسواق بيعًا وشراءً وإجارةً ونحوها، وهم في هذا يَعتَرِيهم ما يَعتَرِي سائر البشر من الغنى والفقر ونحوهما، وبهذا كانوا قدوةً لأحوال الإنسان المختلفة.
﴿وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضࣲ فِتۡنَةً﴾ نختَبِر بعضَكم ببعضٍ، وهذه سنَّة الله العامة في هذا الخلق.