سورة الشعراء تفسير مجالس النور الآية 187

فَأَسۡقِطۡ عَلَیۡنَا كِسَفࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ ﴿١٨٧﴾

تفسير مجالس النور سورة الشعراء

المجلس الرابع والستون بعد المائة: لوط وشعيب


من الآية (160- 191)


إذا كان هودٌ وصالحٌ عليهما السلام يجمع بينهما أنهما أُرسِلَا إلى قبيلَتَين يغلبُ عليهما التعصُّب القَبَلي، والتمسُّك بالموروث من عادات الآباء والأجداد، فإنَّ لوطًا وشُعيبًا عليهما السلام أرسلَهما الله إلى قريتَين أو مدينتَين.
وفي المدن ما ليس في القبائل من المشاكل والتعقيدات والأمراض؛ ولذا نجد الفساد هو المعضلة التي جمعت بين قوم لوطٍ وقوم شعيبٍ وإن اختلفت مجالات الفساد ومظاهره، بينما لم يكن هذا واردًا في عادٍ وثمود؛ فلعادٍ وثمود مُعضلات أخرى، ومشاكل أخرى تتناسب مع طبيعتهما القَبَليَّة، أما قصَّة لوطٍ مع قومه فيمكن تلخيصها كما وردت في هذه الآيات بالآتي:
أولًا: بدأ لوطٌ دعوته لقومه بما بدأ به نوحٌ وهودٌ وصالحٌ، وقد واجَهَ مثل ما واجهوا من الإعراض والتكذيب ﴿كَذَّبَتۡ قَوۡمُ لُوطٍ ٱلۡمُرۡسَلِینَ ﴿١٦٠﴾ إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ لُوطٌ أَلَا تَـتَّـقُونَ ﴿١٦١﴾ إِنِّی لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِینࣱ ﴿١٦٢﴾ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ﴾.
ثانيًا: أكَّد نزاهةَ يده، وأنه لا يرجو منهم أجرًا ولا جزاءً، كما أكَّد الأنبياء السابقون ﴿وَمَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾.
ثالثًا: شخَّص الداءَ الذي أصابهم وشذَّ بهم عن جادَّة الفطرة الآدميَّة ﴿أَتَأۡتُونَ ٱلذُّكۡرَانَ مِنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ﴿١٦٥﴾ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّنۡ أَزۡوَ ٰ⁠جِكُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٌ عَادُونَ﴾.
رابعًا: إلا أنَّ قومَه ردُّوا عليه كما ردَّت الأقوام السابقة على أنبيائهم: ﴿قَالُواْ لَىِٕن لَّمۡ تَنتَهِ یَـٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُخۡرَجِینَ﴾.
خامسًا: هنا أعلَنَ براءَتَه منهم، ثُم توجَّه بالدُّعاء والضَّراعة إلى ربِّه أن ينجِّيه وأهله من هؤلاء القوم ومما سيُصِيبهم ﴿قَالَ إِنِّی لِعَمَلِكُم مِّنَ ٱلۡقَالِینَ ﴿١٦٨﴾ رَبِّ نَجِّنِی وَأَهۡلِی مِمَّا یَعۡمَلُونَ﴾.
سادسًا: استجابَ الله دعاءَ لوطٍ، فنجَّاه وأهله إلا عجوزًا كانت مُوالية لقومها، ثم دمَّرَ الله القرية وكلَّ مَن فيها بمطرٍ مِن العذاب ﴿فَنَجَّیۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُۥۤ أَجۡمَعِینَ ﴿١٧٠﴾ إِلَّا عَجُوزࣰا فِی ٱلۡغَـٰبِرِینَ ﴿١٧١﴾ ثُمَّ دَمَّرۡنَا ٱلۡـَٔاخَرِینَ ﴿١٧٢﴾ وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهِم مَّطَرࣰاۖ فَسَاۤءَ مَطَرُ ٱلۡمُنذَرِینَ ﴿١٧٣﴾ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَةࣰۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِینَ ﴿١٧٤﴾ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ﴾.
أما قصة شُعيبٍ مع قومه، فيمكن تلخيصها كما وردت في هذه الآيات بالآتي:
أولًا: بدأ شعيبٌ دعوتَه لقومه بما بدأ به نوحٌ وهودٌ وصالحٌ ولوطٌ، وقد واجَهَ مثل ما واجهوا من الإِعراض والتكذيب ﴿كَذَّبَ أَصۡحَـٰبُ لۡـَٔیۡكَةِ ٱلۡمُرۡسَلِینَ ﴿١٧٦﴾ إِذۡ قَالَ لَهُمۡ شُعَیۡبٌ أَلَا تَـتَّـقُونَ ﴿١٧٧﴾ إِنِّی لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِینࣱ ﴿١٧٨﴾ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ﴾.
ثانيًا: أكَّد نزاهة يده وأنه لا يرجو منهم أجرًا ولا جزاءً، كما أكَّد الأنبياء السابقون ﴿وَمَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾.
ثالثًا: شخَّصَ الداء الذي أصابَهم - كما فعل لوط -، لكنَّه داءٌ مختلفٌ وإن كان مشتركًا بمعنى جامع، وهو الفساد؛ حيث كان فسادُ قوم لوطٍ فسادًا أخلاقيًّا ومُنافيًا للفطرة، بينما كان فساد قوم شعيبٍ فسادًا اقتصاديًّا مُنافيًا للحقِّ والعدل ﴿۞ أَوۡفُواْ ٱلۡكَیۡلَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُخۡسِرِینَ ﴿١٨١﴾ وَزِنُواْ بِٱلۡقِسۡطَاسِ ٱلۡمُسۡتَقِیمِ ﴿١٨٢﴾ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡیَاۤءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ ﴿١٨٣﴾ وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِی خَلَقَكُمۡ وَٱلۡجِبِلَّةَ ٱلۡأَوَّلِینَ﴾.
رابعًا: إلا أنَّ قومَه رَدُّوا عليه كما رَدَّت الأقوام السابقة على أنبيائهم: ﴿قَالُوۤاْ إِنَّمَاۤ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِینَ ﴿١٨٥﴾ وَمَاۤ أَنتَ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلۡكَـٰذِبِینَ ﴿١٨٦﴾ فَأَسۡقِطۡ عَلَیۡنَا كِسَفࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ﴿١٨٧﴾ قَالَ رَبِّیۤ أَعۡلَمُ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾.
خامسًا: لقِيَ قومه ما لقِيَتْه الأقوامُ الأخرى جزاءَ تكذيبهم وظلمهم ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمۡ عَذَابُ یَوۡمِ ٱلظُّلَّةِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمٍ ﴿١٨٩﴾ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَةࣰۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِینَ﴿١٩٠﴾ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ﴾.


﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُخۡرَجِینَ﴾ أي: لنُخرجنَّك.
﴿مِّنَ ٱلۡقَالِینَ﴾ مِن المُبغِضِين الكارِهِين.
﴿إِلَّا عَجُوزࣰا فِی ٱلۡغَـٰبِرِینَ﴾ كانت تُوالِي قومَها فأهلكها الله مع الهالكين.
﴿وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهِم مَّطَرࣰاۖ﴾ مِن الحجارة المُهلِكة؛ ولذلك قال: ﴿فَسَاۤءَ مَطَرُ ٱلۡمُنذَرِینَ﴾.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ﴾ فبعزَّته أهلك قوم لوط، ونجَّى من بينهم لوطًا.
﴿أَصۡحَـٰبُ لۡـَٔیۡكَةِ ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾ هم قوم شعيب عليه السلام، وأصل الأيكة الشجرة.
﴿بِٱلۡقِسۡطَاسِ ٱلۡمُسۡتَقِیمِ﴾ الميزان العدل.
﴿وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡیَاۤءَهُمۡ﴾ لا تنقصوهم أموالهم من حيث وزنها ومقدارها أو ثمنها.
﴿وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ﴾ إشارةٌ إلى أنَّ الفساد المالي ينشر الفساد في الأرض، وهذا واقعٌ ملموسٌ في كلِّ زمان، فالرِّشوة مثلًا لا تُفسِدُ المال فقط، بل تُفسِدُ الأخلاق والعلاقات وكلَّ مجالات الحياة، حتى التعليم والقضاء.
﴿وَٱلۡجِبِلَّةَ ٱلۡأَوَّلِینَ﴾ أي: الأمم الذين قبلكم، وأصلُ الجِبِلَّة الخِلقة.
﴿فَأَسۡقِطۡ عَلَیۡنَا كِسَفࣰا﴾ قِطَعًا من العذاب، يطلبونه تحدِّيًا وعنادًا ومكابرةً.
﴿یَوۡمِ ٱلظُّلَّةِۚ﴾ يوم السحاب الذي كان فيه هلاكهم.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ﴾ فبعزَّته أهلك أصحابَ الأيكة، وبرحمته نجَّى شُعيبًا.