﴿۞ إِنَّ قَـٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ﴾ أي: من بني إسرائيل.
﴿فَبَغَىٰ عَلَیۡهِمۡۖ ﮯ﴾ خرج عليهم بظُلمه لهم، وتكذيبه لنبيِّهم، ومُمالَأَته لعدوِّهم.
﴿مَفَاتِحَهُۥ﴾ جمع مِفتاح.
﴿لَتَنُوۤأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِی ٱلۡقُوَّةِ﴾ أي: إن حَملَ مفاتيحه كان يُثقِل الجماعةَ القويَّةَ من الرجال، فكيف بخزائِنه!
﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡفَرِحِینَ﴾ هو الفرح بالبغي والتعالِي على الحق، أما أصلُ الفرح فمشروعٌ، ولذلك قال تعالى:
﴿وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ﴾ [الضحى: 11]، وقال:
﴿فَبِذَ ٰلِكَ فَلۡیَفۡرَحُواْ هُوَ خَیۡرࣱ مِّمَّا یَجۡمَعُونَ﴾ [يونس: 58].
﴿وَٱبۡتَغِ فِیمَاۤ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأَخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِیبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡیَاۖ﴾ التوازن والاعتدال، فهذا المالُ نعمة، والأجدَرُ بصاحبها أن يستعمِلَها فيما يُحقِّقُ سعادتَه في الدنيا والآخرة، وجاء التوجيهُ بقوله:
﴿وَلَا تَنسَ نَصِیبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡیَاۖ﴾، مع أن الإنسان ليس من شأنه أن ينسَى هذا؛ ولكن لأنه سُبِق بذكر الآخرة، فقد يتوهَّم السامع أن العمل للآخرة يستدعي إهمالَ الدنيا.
﴿وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِی ٱلۡأَرۡضِۖ﴾ إشارةٌ لخطورة المال إذا استُعمِل في طرُق الفساد.
﴿قَالَ إِنَّمَاۤ أُوتِیتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِیۤۚ﴾ أي: بقوَّتي وخبرتي وبما أستحقُّه من فضلي ومكانتي.
﴿وَلَا یُسۡـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ﴾ وصفٌ ليوم من أيام الآخرة لا يملك فيه المجرمون سؤالًا ولا جوابًا، فهم يعرفون مصيرَهم، والله أعلَمُ بحالهم، فلا يسألهم سؤالَ المُستفهِم، وإنما يسألهم سؤالَ التقريع واللوم والإذلال، وسيُجيبُونه - كما ورد آنفًا - بما يؤكِّد ندَمَهم وإقرارهم بجريمتهم، وذلك في وقتٍ مخصوصٍ للحساب، وفي غير هذا، فإنَّ الله لا يُكلِّمهم ولا يقبَلُ منهم قولًا ولا جوابًا.
﴿یَـٰلَیۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَاۤ أُوتِیَ قَـٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِیمࣲ﴾ هذا هو مِعيارُ أهل الدنيا الغافلين عن الله واليوم الآخر؛ فصاحِبُ الحظِّ العظيم هو من يملِك هذا المتاع وهذه الزينة، وإن كان سيُغادِرُها مُجرًّدًا منها ومن كل شيء.
﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَیۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ﴾ فالعلماء ينظُرون أبعَدَ مما ينظر أهلُ الجهل وأهلُ الغفلة، فمعايِيرُ السعادة عندهم لا تحكمها الشهوة الزائلة، ولا اللحظة العابرة.
﴿وَلَا یُلَقَّىٰهَاۤ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ﴾ إشارة إلى أن مقاومة هذا الإغراء والإغواء بحاجةٍ إلى صبرٍ مُتأصِّلٍ في النفوس، لا تُطِيحُ به التصوُّرات القاصرة، ولا المنافسات الباطلة.
﴿فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ﴾ ليكون عبرةً إلى يوم الدين، وجاء الخسف مناسبًا لتطاوله وتعالِيه على قومه وعلى النبوَّة والحق الذي كان معهم.
﴿فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةࣲ یَنصُرُونَهُۥ﴾ رغم كثرة خدَمه وحشَمه.
﴿وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِینَ﴾ بنفسه.
﴿وَأَصۡبَحَ ٱلَّذِینَ تَمَنَّوۡاْ مَكَانَهُۥ﴾ أي: الذين تمنَّوا أن يكونوا بمكانه ومكانته من المال والجاه، وهم الذين تقدَّم قولهم:
﴿یَـٰلَیۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَاۤ أُوتِیَ قَـٰرُونُ﴾.
﴿وَیۡكَأَنَّ﴾ كلمة مركبة لإرادة التعجُّب، وأصلها: (ويْ) وهي اسم فعل للتعجب، وقد أُضيف إليها كاف الخطاب للتنبيهِ إليها، ودمجت مع (أنَّ) التي تُفيد التوكيد.
﴿یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَیَقۡدِرُۖ﴾ أي: يُوسِّع على من يشاء، ويُضيِّق على من يشاء؛ لحكمةٍ لا تخفَى، من تسخير بعض الناس لبعض، ولو كانوا على مستوى واحد لضاعَت الأعمال والمِهَن، وهم في كل ذلك مُبتلَون ومُمتَحَنون؛ فالغنيُّ مُبتلَى بالفقير، والفقير مُبتلَى بالغنيِّ، والسعيدُ من عرَفَ واجبه وأدَّى حقَّه أينما كان، وكيفما كان.
﴿لَوۡلَاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَیۡنَا لَخَسَفَ بِنَاۖ﴾ بمعنى أنَّ الله منَّ عليهم فلم يستجِب لدعائهم أو تمنِّيهم الأول بأن يكونوا مثل قارون، وهذه إشارةٌ أنَّ الإنسان لا يعلم الغيب، فلا ينبغي أن يستعجِل في دعائه، ولا أن يشعر بالغَبن أو اليأس وهو يرى أُمنياته بعيدة، فالخيرُ لا يعلمه إلا الله، وكم من غِنًى افتَتَنَ به صاحبه فأورَدَه المهالك، وكم من فقرٍ صبَرَ عليه صاحبه فكان سببًا لعزته ورفعته.
﴿تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوࣰّا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادࣰاۚ﴾ بمعنى أن الدنيا فيها هذا التفاوت في الرزق، وليس فيه دليل على محبة الله لهذا ولا بُغضه لذاك، أما الآخرة فتكون خالصةً للصالحين الذين نجحوا في دار الاختبار، فلم يطلبوا علوًّا ولا فسادًا.
والعلوُّ هنا: التكبُّر المُقترِن بالفساد، أما العلوُّ بالإيمان، وطلب السموِّ والعزَّة والهمَّة العالية فهذا مِن شأن المؤمن الموصول بالله
﴿وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [آل عمران: 139].
﴿مَن جَاۤءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَیۡرࣱ مِّنۡهَاۖ﴾ ذلك فضلُ الله وكرَمُه.
﴿وَمَن جَاۤءَ بِٱلسَّیِّئَةِ فَلَا یُجۡزَى ٱلَّذِینَ عَمِلُواْ ٱلسَّیِّـَٔاتِ إِلَّا مَا كَانُواْ یَعۡمَلُونَ﴾ ذلك عدلُ الله تبارك وتعالى.
﴿إِنَّ ٱلَّذِی فَرَضَ عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَاۤدُّكَ إِلَىٰ مَعَادࣲۚ﴾ أي: إلى ذلك اليوم الموعود، وهو يوم الحوض، والمقام المحمود، والشفاعة العُظمى، فصلَّى الله عليك وسلَّم يا رسول الله، وحشَرَنا تحت لوائك، وفي زُمرتك وبين إخوانك وصحبك.
هذا الذي نراه أرجح في السياق، فالحديث عن الآخرة وكونها خالصةً للمؤمنين، وفيه تسلِيةٌ له
ﷺ وللصحابة المعذَّبين تحت سِياط المُترَفين والمتكبِّرين والمُفسِدين، كما أن السورة مكيَّة، فيبعُد أن يكون المراد إخباره بالرجوع إلى مكة بعد الهجرة، والله أعلم.
﴿فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِیرࣰا لِّلۡكَـٰفِرِینَ﴾ أي: مُعِينًا لهم، والخطابُ للأمة في شخصِه
ﷺ فهو المُبلِّغ، وهو القُدوة، كما قال في موضع آخر:
﴿لَىِٕنۡ أَشۡرَكۡتَ لَیَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر:65]، ورسولُ الله مُنزَّهٌ عن كل ذلك.
وهنا لطيفةٌ دقيقةٌ: أنَّ هذا التوجيهَ جاء بعد قصَّة موسى على نبيِّنا وعليه الصلاة والسلام، وقد جاء فيها قول موسى:
﴿قَالَ رَبِّ بِمَاۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِیرࣰا لِّلۡمُجۡرِمِینَ﴾ في تأكيدٍ مُستمر على وحدة الرسالات السماوية بصورةٍ عامَّةٍ، وصلةُ هذه الدعوة المحمديَّة بالدعوة الموسويَّة بصورةٍ خاصَّةٍ.
﴿وَلَا یَصُدُّنَّكَ عَنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ﴾ لا يصرفنَّك عنها، والقول فيها كالقول في سابقتها.
﴿وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ﴾ أمر بالدعوة، في حقِّه
ﷺ وفي حقِّ أمته من بعده إلى يوم الدين.
﴿كُلُّ شَیۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ﴾ فلا ينبغي للمؤمن أن يتعلَّق قلبُه بغيره سبحانه، فكل ما عداه هالكٌ وفانٍ.