فأيس منهم نبيُّهم، وعلم استحقاقهم العذاب، وجزع من شدة تكذيبهم له، فدعا عليهم، و {قال ربِّ انصُرْني على القوم المفسِدين}: فاستجاب الله دعاءَه، فأرسل الملائكةَ لإهلاكِهِم، فمرُّوا بإبراهيم قبل ذلك، وبشَّروه بإسحاقَ ومن وراءِ إسحاقَ يعقوب، ثم سألهم إبراهيمُ: أين يريدون؟ فأخبروه أنَّهم يريدون إهلاكَ قوم لوط، فجعل يراجِعُهم ويقول: {إنَّ فيها لوطاً}، فقالوا له: {لَنُنَجِّيَنَّهُ وأهلَه إلاَّ امرأتَه كانت من الغابرين}: ثم مَضَوْا حتى أتوا لوطاً، فساءه مجيئُهم، وضاق بهم ذَرْعاً؛ بحيث إنه لم يعرِفْهم، وظنَّ أنَّهم من جملة أبناء السبيل الضيوف، فخاف عليهم من قومه، فقالوا له: {لا تَخَفْ ولا تَحْزَنْ}: وأخبروه أنَّهم رسل الله، {إنَّا منجُّوك وأهْلَكَ إلاَّ امرأتَكَ كانت من الغابرين. إنَّا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً}؛ أي: عذاباً {من السماء بما كانوا يَفْسُقون}: فأمروه أن يَسْرِيَ بأهله ليلاً، فلما أصبحوا؛ قَلَبَ الله عليهم ديارهم، فجعل عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارةً من سِجِّيل متتابعة حتى أبادتهم وأهلكتهم فصاروا سمراً من الأسمار وعبرةً من العبر. {ولقد تَرَكْنا منها آيةً بَيِّنَةً لقوم يعقلونَ}؛ أي: تركنا من ديار قوم لوط آثاراً بيِّنة لقوم يعقلون العِبَرَ بقلوبهم فينتفعونَ بها؛ كما قال تعالى: {وإنَّكُم لَتَمُرُّونَ عليهم مصبحينَ. وبالليلِ أفلا تعقِلونَ}.