يخبر تعالى عن حالة الدُّنيا والآخرة، وفي ضمن ذلك التزهيد في الدنيا والتشويق للأخرى، فقال: {وما هذه الحياةُ الدُّنيا}: في الحقيقة {إلاَّ لهوٌ ولعبٌ}: تلهو بها القلوبُ، وتلعبُ بها الأبدانُ؛ بسبب ما جعلَ الله فيها من الزينة واللذَّات والشهواتِ الخالبة للقلوب المعرضة، الباهجة للعيون الغافلة، المفرِحة للنفوس المبطِلة الباطلة، ثم تزول سريعاً وتنقضي جميعاً ولم يحصل منها محبُّها إلاَّ على الندم والحسرة والخسران. وأما الدارُ الآخرةُ؛ فإنها دار {الحيوان}؛ أي: الحياة الكاملة، التي من لوازمها أن تكونَ أبدانُ أهلها في غاية القوَّة، وقواهم في غاية الشدَّة؛ لأنَّها أبدانٌ وقوى خُلِقَتْ للحياة، وأن يكون موجوداً فيها كلُّ ما تَكْمُلُ به الحياة، وتتمُّ به اللذَّة من مفرحات القلوب وشهوات الأبدان من المآكل والمشارب والمناكح وغير ذلك، ممَّا لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعتْ ولا خطر على قلب بشر. {لو كانوا يعلمون}: لما آثروا الدُّنيا على الآخرة، ولو كانوا يعقِلونَ؛ لما رغبوا عن دار الحيوان، ورغبوا في دار اللهو واللعب. فدلَّ ذلك: أنَّ الذين يعلمون لا بدَّ أن يؤثِروا الآخرة على الدُّنيا؛ لما يعلمونه من حالة الدارين.