يُلخِّصُ القرآنُ في خواتيم هذه ال
سورة قصَّةَ الإنسان من مراحل تكوينه وتطوُّر حياته حتى قيام الساعة، وما يعقُبُها من حسابٍ وجزاء، مع الإشارة إلى طريق الفوز والنجاة، إنه عرضٌ لخلاصة التجربة الإنسانيَّة بمنظور الحقيقة الكبرى والقِيَم المُنبَثِقَة عنها:
أولًا: ذكر القرآن مراحل خلق الإنسان من أيامه الأولى التي لم يكن يَقوَى فيها على شيء، ولا يستقِلُّ بنفسه في مطعمٍ أو مشربٍ أو قضاء حاجةٍ، ولا يعرف ما حوله ولا مَن حوله، ولا ما يضره ولا ما ينفعه، حتى بلغ أشدَّه مع الأيام، ثم ما لبِثَ أن عاد إلى ضعفه مع تغيُّرٍ في الصورة والشكل، فهناك كان طفلًا مُقبلًا على الدنيا، وهنا أصبح شيخًا مدبرًا عنها، هناك ينتظر القوَّة والأشُدَّ، وهنا ينتظر الموت والقبر:
﴿۞ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفࣲ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفࣲ قُوَّةࣰ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةࣲ ضَعۡفࣰا وَشَیۡبَةࣰۚ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡقَدِیرُ﴾.
ثانيًا: ذكَّرَ القرآن بذلك الأجل المحتوم والمصير الذي ينتظر الحياة
﴿وَیَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ﴾.
في ذلك اليوم سينظر الناس إلى ما تركوه وراءهم من ذكريات دنيويَّة، فلا يراها الغافلون إلَّا ساعة عابرة ليست لها قيمة؛ لأنها كانت بالنسبة لهم ساعة لهوٍ ومتاعٍ، أما المؤمنون الذين آتاهم الله الإيمان والعلم والحكمة فإنهم يعرفون ما الدنيا وما موقعها بالنسبة للآخرة، وما المسؤوليَّة التي كانت مُلقاة على عاتقهم فيها
﴿وَیَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ یُقۡسِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَیۡرَ سَاعَةࣲۚ كَذَ ٰلِكَ كَانُواْ یُؤۡفَكُونَ ﴿٥٥﴾ وَقَالَ ٱلَّذِینَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَٱلۡإِیمَـٰنَ لَقَدۡ لَبِثۡتُمۡ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡبَعۡثِۖ فَهَـٰذَا یَوۡمُ ٱلۡبَعۡثِ وَلَـٰكِنَّكُمۡ كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾.
ثالثًا: آنذاك يصدر الحكم العدل بحقّ هؤلاء الذين ظلموا وتكبّروا وأفسدوا في الأرض
﴿فَیَوۡمَىِٕذࣲ لَّا یَنفَعُ ٱلَّذِینَ ظَلَمُواْ مَعۡذِرَتُهُمۡ وَلَا هُمۡ یُسۡتَعۡتَبُونَ﴾.
رابعًا: للخلاص من تلك العاقبة البائسة، يبيِّن القرآن طريق النجاة بالأدلة الواضحة، والأساليب المقنعة التي لا تُبقِي عُذرًا لمُعتذِر
﴿وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ فِی هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلࣲۚ وَلَىِٕن جِئۡتَهُم بِـَٔایَةࣲ لَّیَقُولَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُبۡطِلُونَ ﴿٥٨﴾ كَذَ ٰلِكَ یَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ﴾.
فمشكلة هؤلاء أبدًا لم تكن من جهة الفكر والنظر، بل من جهة العناد والمكابرة، فلقد طُبِعت قلوبُهم على الكفر حتى لم تعُد تصغي لموعظةٍ، ولا تنتفع بدليلٍ.
خامسًا: يُوصِي الله تعالى نبيَّه الكريم
ﷺ وكلَّ مَن آمن به بوصيَّة الثبات والصبر على طريق الحقّ مهما بلغت محاولات المُبطِلين في المكر والعداوة والاستفزاز
﴿فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّۖ وَلَا یَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِینَ لَا یُوقِنُونَ﴾.