سورة الأحزاب تفسير السعدي الآية 6

ٱلنَّبِیُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَ ٰ⁠جُهُۥۤ أُمَّهَـٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضࣲ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ إِلَّاۤ أَن تَفۡعَلُوۤاْ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕكُم مَّعۡرُوفࣰاۚ كَانَ ذَ ٰ⁠لِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورࣰا ﴿٦﴾

تفسير السعدي سورة الأحزاب

يخبر تعالى المؤمنين خبراً يعرِفون به حالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومرتَبَتَه، فيعامِلونه يمقتضى تلك الحالة، فقال: {النبيُّ أولى بالمؤمنين من أنفُسِهم}: أقرب ما للإنسان وأولى ما له نفسُه؛ فالرسولُ أولى به من نفسِهِ؛ لأنَّه عليه الصلاة والسلام بَذَلَ لهم من النُّصح والشفقة والرأفة ما كان به أرحم الخلق وأرأفهم؛ فرسولُ الله أعظمُ الخلق مِنَّةً عليهم من كلِّ أحدٍ؛ فإنَّه لم يصل إليهم مثقالُ ذرَّةٍ من الخير ولا اندفَعَ عنهم مثقالُ ذرَّةٍ من الشرِّ إلاَّ على يديه وبسببه؛ فلذلك وجب عليهم إذا تعارض مرادُ النفس أو مرادُ أحدٍ من الناس مع مرادِ الرسول أنْ يقدم مراد الرسول، وأنْ لا يعارِضَ قول الرسول بقول أحدٍ كائناً ما كان، وأنْ يَفْدوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم، ويقدِّموا محبَّته على محبة الخلقِ كلِّهم، وألاَّ يقولوا حتى يقولَ، ولا يتقدَّموا بين يديه، وهو - صلى الله عليه وسلم - أبٌ للمؤمنين؛ كما في قراءة بعضِ الصحابة يربِّيهم كما يربِّي الوالدُ أولاده، فترتَّب على هذه الأبوَّة أنْ كان نساؤه أمهاتِهِم؛ أي: في الحرمة والاحترام والإكرام، لا في الخلوة والمحرميَّة، وكأنَّ هذا مقدِّمة لما سيأتي في قصة زيد بن حارثة، الذي كان يُدْعى قبلُ زيد بن محمد، حتى أنزل الله: {ما كانَ محمدٌ أبا أحدٍ من رجالِكم}، فقطع نَسَبَه وانتسابَه منه. فأخبر في هذه الآية أنَّ المؤمنين كلَّهم أولادٌ للرسول؛ فلا مزيَّة لأحدٍ عن أحدٍ، وإن انقطعَ عن أحدِهم انتسابُ الدعوة؛ فإنَّ النسبَ الإيمانيَّ لم ينقطعْ عنه؛ فلا يحزنْ ولا يأسفْ، وترتَّب على أنَّ زوجات الرسول أمهاتُ المؤمنين: أنَّهنَّ لا يحللنَ لأحدٍ من بعده؛ كما سيصرّح بذلك، ولا يحلُّ لكم أن تَنْكِحوا أزواجَه من بعدِهِ أبدا. {وأولو الأرحام}؛ أي: الأقارب قَرُبوا أو بعدوا {بعضُهم أولى ببعضٍ في كتاب الله}؛ أي: في حكمه، فيرثُ بعضُهم بعضاً ويبرُّ بعضُهم بعضاً؛ فهم أولى من الحلف والنصرة، والأدعياءُ الذين كانوا من قبلُ يرثون بهذه الأسباب دون ذوي الأرحام، فقطع تعالى التوارُثَ بذلك، وجعله للأقارب لطفاً منه وحكمةً؛ فإنَّ الأمر لو استمرَّ على العادة السابقة؛ لحصل من الفساد والشرِّ والتحيُّل لحرمان الأقارب من الميراث شيءٌ كثيرٌ، {من المؤمنينَ والمهاجرينَ}؛ أي: سواء كان الأقاربُ مؤمنين مهاجرين أو غيرَ مهاجرين؛ فإنَّ ذوي الأرحام مقدَّمون في ذلك. وهذه الآية حجَّة على ولاية ذوي الأرحام في جميع الولايات؛ كولاية النكاح والمال وغير ذلك، {إلاَّ أن تَفْعَلوا إلى أوليائِكُم معروفاً}؛ أي: ليس لهم حقٌّ مفروضٌ، وإنَّما هو بإرادتِكم، إنْ شئتُم أن تتبرَّعوا لهم تبرُّعاً وتُعطوهم معروفاً منكم، {كان}: ذلك الحكم المذكور {في الكتابِ مسطوراً}؛ أي: قد سُطِرَ وكُتبَ وقدَّره الله؛ فلا بدَّ من نفوذه.