سورة الأحزاب تفسير مجالس النور الآية 6

ٱلنَّبِیُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَ ٰ⁠جُهُۥۤ أُمَّهَـٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضࣲ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ إِلَّاۤ أَن تَفۡعَلُوۤاْ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕكُم مَّعۡرُوفࣰاۚ كَانَ ذَ ٰ⁠لِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورࣰا ﴿٦﴾

تفسير مجالس النور سورة الأحزاب

المجلس الثامن والثمانون بعد المائة: النبيُّ أولَى بالمؤمنين من أنفسهم


من الآية (1- 8)


لسورة الأحزاب خصوصيَّة عن باقي السور؛ لأنّها تناوَلَت حياةَ نبيِّنا الكريم في أدقِّ خصوصيَّاته، وقد أشارت السورة نفسها إلى الغاية من هذا التناول: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ﴾.
فمن أجل هذه الغاية الجليلة، بسطت هذه السورة حياةَ رسول الله العامة والخاصة؛ في علاقاته الاجتماعيَّة مع زوجاته وأهل بيته، وفي حياته الدعويَّة والتربويَّة مع أصحابه وأحبابه وكلِّ الناس الذين يعيشون معه في المدينة أو في محيطها، ثم تصدِّيه لأحزاب الكفر والضلالة، ولخيانة يهود لما بينهم وبينه من مواثيق وعهود، وكذلك معاناته الطويلة - بأبي هو وأمِّي - من الدور المُؤذي الذي تبنَّتْه الفئة المنافقة ومن يقِف خلفها.
وربما كان من توفيق الله تعالى أن تُكتب هذه الكلمات في تدبُّر هذه السورة العزيزة أمام الروضة المشرَّفة في رحاب المسجد النبويِّ الشريف، فكنتُ أقرأُ الآيات وأُعيدُها وأتدبَّر معانيها وأنظر في سياقها وتسلسلها، ثم أنظرُ أمامي فأمتَلِئُ بالرهبة، وكأنَّها الآن تنزِل، وها هو رسولُ الله يتلُوها على أصحابه، ويؤمّهم بها في مِحرابه، وينشرها بين الناس كلِّ الناس مؤمنهم وكافرهم ومنافقهم، ينشرها بينهم كما أنُزلت عليه، وفيها خلَجَات نفسه، وفيها أسرار بيته، فيها ما كان يَستَحيِي أن يُظهره ويبُوح به ﴿وَتُخۡفِی فِی نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِیهِ﴾، و﴿إِنَّ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ كَانَ یُؤۡذِی ٱلنَّبِیَّ فَیَسۡتَحۡیِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا یَسۡتَحۡیِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّ ۚ﴾.
فعليك يا أيها الحبيب صلواتُ الله وسلامُه دائمًا وأبدًا، عسى الله أن يغفر لنا، ويرزقنا شفاعتك ومُصاحبَتَك على الحوض، وفي أعلى جِنان الخُلد.
في فواتح هذه السورة كان الحديث عن رسول الله مُرتبطًا بوظيفته الكبرى في تبليغ الرسالة، وموقعه بين المؤمنين، وبعض الأحكام والتوجيهات المناسبة لهذا السياق:
أولًا: استهلَّت السورة بوصيَّة التقوَى، وإخلاص الطاعة لله وحده، واتِّباع شريعته ووحيِه، والنهي عن طاعة الكافرين والمنافقين، وهي وصيةٌ للأُمَّة كلّها في شخص نبيِّها : ﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ ۚ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا ﴿١﴾ وَٱتَّبِعۡ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا﴾.
ثانيًا: ولأنَّ هذه الوصيَّة تستدعي العداء من طرف الكافرين وأحزابهم ومُنافقيهم، جاء التوجيهُ بأهميَّة التوكُّل على الله وحده، فهو سبحانه مُقدِّر الأقدار، ومُيسِّر الأسباب ﴿وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلࣰا﴾.
ثالثًا: ثم شرَعَ القرآن بإعلانه إبطال الموروث الجاهلي، لتستَبِينَ سبيلُ الحقِّ عن سبيل الباطل، فلا يبقى في هذا عذرٌ لمعتذر، ولا تأويلٌ لمتأوِّل ﴿مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلࣲ مِّن قَلۡبَیۡنِ فِی جَوۡفِهِۦۚ﴾.
وفي هذا تمهيدٌ وتهيئةٌ لاستقبال الأحكام الإلهيَّة الناقضة للعادات الجاهلية ﴿وَمَا جَعَلَ أَزۡوَ ٰ⁠جَكُمُ ٱلَّـٰۤـِٔی تُظَـٰهِرُونَ مِنۡهُنَّ أُمَّهَـٰتِكُمۡۚ وَمَا جَعَلَ أَدۡعِیَاۤءَكُمۡ أَبۡنَاۤءَكُمۡۚ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَ ٰ⁠هِكُمۡۖ وَٱللَّهُ یَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ یَهۡدِی ٱلسَّبِیلَ ﴿٤﴾ ٱدۡعُوهُمۡ لِـَٔابَاۤىِٕهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوۤاْ ءَابَاۤءَهُمۡ فَإِخۡوَ ٰ⁠نُكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَمَوَ ٰ⁠لِیكُمۡۚ وَلَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحࣱ فِیمَاۤ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمًا﴾.
فمِن عادات الجاهلية: الظهار، وهو أن يقول الرجل لامرأته: أنتِ علَيَّ كظهر أمِّي، وقد جاء ذكر أحكامه مفصَّلةً في سورة المجادلة، ومن عاداتهم الشائعة: التبنِّي، وقد خصَّه القرآن هنا بالتفصيل، وجعل من فعل الرسول المثل الأول؛ حيث كان قد تبنَّى زيدَ بن حارثة ، فلما أراد الله أن يُبطِل هذه العادة بدأ بنبيِّه، وفي هذا ترسيخٌ لمعنى القدوة والأُسوة الحسنة التي تدور السورةُ حولَها.
رابعًا: بعد ذلك انتقل القرآن لبيان مكانة الرسول في هذه الأُمَّة: ﴿ٱلنَّبِیُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ﴾ وهذه هي القيمة المحوريَّة التي تُنظِّم علاقة المسلمين بنبيِّهم، فهو ليس مُبلِّغًا لرسالة فحسب كما يتوهَّم المتوهِّمون، بل هو المحور الإنسانيُّ الذي تدور حوله الأُمَّة في وجودها وحركتها، فهو نقطة البداية في نشأتها وتكوُّنها، وهو القدوة الأولى في تطلُّعها وسيرها إلى الله، وتقديم أيِّ شخص عليه في الاهتمام والمحبَّة والاتِّباع يعدُّ خَرقًا كبيرًا لعقيدة الأمة وهويَّتها الجامعة.
ومعنى أنَّه المحور الإنساني في هويَّتنا: أننا لا نُقدِّمُ أيَّ إنسانٍ عليه كائنًا من كان، كما أننا لا نُقدِّمُ على القرآن كتابًا، ولا نُقدِّمُ على الكعبة مكانًا، فهذه محاور تلتقي عليها الأُمة، فمن أحدث فيها وابتدع وقدَّم وأخَّر، فقد ارتكب جناية عظيمة بحقِّ الأُمَّة، وأقلُّ آثار هذه الجناية ما نراه اليوم من اضطرابٍ في هويَّة الأمة، واختلافٍ في أولويَّاتها ومصادر دينها وشريعتها.
خامسًا: يُؤصِّلُ القرآن لمكانة أهل بيته عليه وعليهم الصلاة والسلام ﴿وَأَزۡوَ ٰ⁠جُهُۥۤ أُمَّهَـٰتُهُمۡۗ﴾ ومع ما في هذا الحكم الربَّاني القاطع من تزكيتهنَّ وإعلاء شأنهنَّ، وفرض احترامهنَّ وتبجيلهنَّ، ففيه أيضًا مغزى مرتبط بصورة التأسِّي والاقتداء، والتي هي محور هذه السورة؛ إذ إنَّ حياته اليوميَّة مع أهل بيته تُشكِّل جانبًا كبيرًا من النموذج الذي ينبغي أن يُحتذى في تكوين البيت المسلم، وعلاقاته الداخلية، وطبيعة حياته واهتماماته وسلوكه اليومي، ومن ثَمَّ جاء التذكير بهذه المعاني في هذه السورة نفسها بقوله تعالى: ﴿وَٱذۡكُرۡنَ مَا یُتۡلَىٰ فِی بُیُوتِكُنَّ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ﴾.
وعليه فإنَّ الانتقاص منهنَّ هو انتقاصٌ وتشكيكٌ في هذا الذكر الذي كلَّفهُنَّ الله بحمله إلى الناس، إضافةً إلى عقوقٍ مفضوحٍ بحقهنَّ وهنَّ أمهاتنا بنصِّ القرآن، بل إنَّ الرافض لهذه العلاقة إنَّما يُعلِنُ عن نزعه لصفةِ الإيمان عن نفسه، والعياذ بالله.
سادسًا: يُؤصِّلُ القرآن أنَّ محور العلاقات الاجتماعيَّة فيما بين المسلمين كافَّة إنَّما هو الرَّحِم، فصلة الأرحام أساس البناء الاجتماعي ﴿وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضࣲ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ﴾ وهذا المحور تنبني عليه حقوقٌ وواجباتٌ والتزاماتٌ منها: الإرث، والنفقة، ومن سوء فقه الرجل - وربَّما سوء تديُّنه - أن يُقدِّمَ على رَحِمه مَن يرتبط معهم بروابط المصلحة الماديَّة أو الحزبيَّة.
سابعًا: يُؤكِّدُ القرآن أنَّ رسالة محمدٍ ليست بِدعًا من الرسالات، بل كلُّها يرجِع إلى مصدرٍ واحدٍ، وميثاقٍ واحدٍ ﴿وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِنَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مِیثَـٰقَهُمۡ وَمِنكَ وَمِن نُّوحࣲ وَإِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَمُوسَىٰ وَعِیسَى ٱبۡنِ مَرۡیَمَۖ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّیثَـٰقًا غَلِیظࣰا﴾.
ثم يُشير إلى انقسام الخلق تجاه هذه الرسالة، وذاك الميثاق إلى مؤمنين وكافرين، وصادقين وكاذبِين ﴿لِّیَسۡـَٔلَ ٱلصَّـٰدِقِینَ عَن صِدۡقِهِمۡۚ وَأَعَدَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابًا أَلِیمࣰا﴾ وبهذه الآية يُمهِّدُ القرآنُ للحديثِ عن معركةٍ من معارك الإيمان الخالدة، وهي معركةُ الأحزاب.


﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ ۚ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَ ۗ﴾ خطابٌ للأُمَّة في شخص نبيِّها؛ إذ ليس مِن المُتصوَّر أن يُطيعَ الرسولُ الكافرين والمنافقين في معصية الله.
وفي الآية معنًى لطيفٌ يُشعر المؤمن بالطمأنينة التامَّة على عصمة الوحي، وصدق التبليغ، فالله بجلاله وعظمته لم يترك التبليغ للجهد البشري للأنبياء عليهم السلام، بل هو معهم بتأييده وتسديده .
﴿مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلࣲ مِّن قَلۡبَیۡنِ فِی جَوۡفِهِۦۚ﴾ تنبيهٌ إلى قيمة الإخلاص في التوجُّه والعمل، وتحذيرٌ من الشتات والضياع والتردُّد، فلا يمكن للإنسان السوِيِّ أن يؤمن بالشيء وضدِّه، أو أن يُطيع الله ويُطيع الشيطان، وهذا التنبيهُ مُناسِبٌ لما قبله، ومُمهِّدٌ لما بعده لإبطال العادات الجاهلية المخالفة للوحي؛ كالظِّهار، والتبنِّي.
﴿وَمَا جَعَلَ أَزۡوَ ٰ⁠جَكُمُ ٱلَّـٰۤـِٔی تُظَـٰهِرُونَ مِنۡهُنَّ أُمَّهَـٰتِكُمۡۚ﴾ بمعنى أنَّ قول الرجل لامرأته: أنتِ علَيَّ كظهر أمي كذِبٌ وباطلٌ، فالزوجةُ لا تكون أُمًّا.
﴿وَمَا جَعَلَ أَدۡعِیَاۤءَكُمۡ أَبۡنَاۤءَكُمۡۚ﴾ فالمُتبنَّى من الأولاد لا يكون ابنًا، بل هو انتسابٌ باطلٌ كذلك.
﴿ذَ ٰ⁠لِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَ ٰ⁠هِكُمۡۖ﴾ كلامٌ مُجرَّدٌ ليس له سنَدٌ من الشرع، ولا سنَدٌ من الواقع.
﴿ٱدۡعُوهُمۡ لِـَٔابَاۤىِٕهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ﴾ أي: انسِبوهم لآبائهم ولا تنسِبوهم لأنفسكم، فهذا هو حكمُ الله الحقِّ والعدل.
﴿فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوۤاْ ءَابَاۤءَهُمۡ فَإِخۡوَ ٰ⁠نُكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَمَوَ ٰ⁠لِیكُمۡۚ﴾ بمعنى أنَّ هذا الذي أبطل القرآن بُنوَّتَه ولم يُعرف له أبٌ يُؤوِيه وينتسِبُ إليه، فواجِبُ المجتمع أن يحتضِنَه في ظلال الأخوَّة والموالاة الإيمانيَّة التي لا تُفرِّق بين بعيدٍ وقريبٍ.
﴿وَلَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحࣱ فِیمَاۤ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ﴾ وهذه مسألةٌ دقيقةٌ؛ فاللسان قد اعتاد على نسبة هذا الابن لأبيه من التبنِّي، وبعد تحريم التبنِّي أصلًا، أصبحت هذه النسبة ولو بالمناداة ونحوها مُحرَّمَة كذلك، ولكن اللسان قد يزلُّ عن غير عمدٍ، فهذا لا حرج فيه ولا إثم، والله أعلم.
﴿ٱلنَّبِیُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ﴾ فلا يتقدّمنّ على رسول الله في ولايته على المؤمنين أحدٌ من الخلق، وولايته ولاية رحمةٍ عامةٍ، ونصحٍ شاملٍ؛ لأنَّه موصوفٌ بنص الكتاب: ﴿بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [التوبة: 128].
﴿وَأَزۡوَ ٰ⁠جُهُۥۤ أُمَّهَـٰتُهُمۡۗ﴾ من حيث تعظيمهنَّ، وتقديرهنَّ، والاعتراف بفضلهنَّ، وحُرمة الزواج بهنَّ بعده ، بخلاف الأحكام الفقهيَّة العمليَّة، كالإرثِ والخلوة، فهذه لأمِّ النَّسَب خاصَّة.
﴿وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضࣲ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ﴾ أصلٌ في تقديم الأرحام على غيرهم في العلاقات الاجتماعيَّة وما ينبَنِي على ذلك من توارُث.
أما عامة المؤمنين والمهاجرين خاصة، فلهم مكانتهم في ضمير الأُمَّة، لكن صلة الأرحام والتوارُث بينهم له فقهه، فلا يصح الخلط بين الدائرتين، فبرُّ الوالدَين والأعمام والعمَّات شيءٌ، وتعظيمُ الأنصار والمهاجرين وكذلك أهل العلم والفضل شيءٌ آخرٌ، وقد جاءت هذه الآية لإبطال التوارُث بين المهاجرين والأنصار، والذي كان مُتَّبعًا عقب الهجرة والمؤاخاة حتى نزول هذه الآية.
﴿إِلَّاۤ أَن تَفۡعَلُوۤاْ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕكُم مَّعۡرُوفࣰاۚ﴾ من غير الإرث، كالصلة والوصيَّة والصدقة، فهذا كلُّه جائزٌ ومفتوحٌ لعامة المسلمين ولمَن بينهم تناصُر وتواصُل من باب أَولَى.
﴿وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِنَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مِیثَـٰقَهُمۡ﴾ عهدهم في تبليغ الرسالة كما أنزلها الله عليهم من غير زيادةٍ ولا نقصانٍ، ولا انحيازٍ ولا محاباةٍ.
﴿وَمِنكَ وَمِن نُّوحࣲ وَإِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَمُوسَىٰ وَعِیسَى﴾ خصَّهم بالذكرِ، وهؤلاء هُم أولو العزم أفضل الرسل عليهم السلام.
﴿لِّیَسۡـَٔلَ ٱلصَّـٰدِقِینَ عَن صِدۡقِهِمۡۚ﴾ ليسأل الأنبياء عن أمانتهم التي بلَّغُوها - وهو سبحانه أعلم بهم -، لكن لتبكيت المُكذِّبين والمُعانِدين وإلزامهم الحُجَّة؛ ولذلك عقَّبَ بعدها: ﴿وَأَعَدَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابًا أَلِیمࣰا﴾.