﴿صۤۚ﴾ مِن الحروف المُقطَّعة، وقد فصَّلنا القول فيها أول سورة
البقرة.
﴿وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِی ٱلذِّكۡرِ﴾ يُقْسِمُ الله بكتابه المجيد مُبيِّنًا غايتَه الكبرى في تذكير الناس بما هم غافلون عنه من حقيقة الحياة والموت، والحساب والجزاء.
﴿بَلِ ٱلَّذِینَ كَفَرُواْ فِی عِزَّةࣲ وَشِقَاقࣲ﴾ (بل) تفيد الإضراب، ومعناها هنا: إبطال ما قد يتوهَّمه القارئ أو السامع من استِفادة أهل مكَّة من هذا الذِّكر وقد نزل بين ظهرانيهم، فهم بعيدون عن ذلك؛ بسبب اعتِزازهم بكفرهم، وعداوتهم لنبيِّهم.
﴿وَّلَاتَ حِینَ مَنَاصࣲ﴾ وليس الوقت وقت مَهْرَب حيثُ حلَّ الهلاك بهم.
﴿وَعَجِبُوۤاْ أَن جَاۤءَهُم مُّنذِرࣱ مِّنۡهُمۡۖ﴾ هو تعجُّب بمعنى الإنكار والاستغراب؛ حسدًا من عند أنفسهم وتكبُّرًا.
﴿عُجَابࣱ﴾ غايةٌ في العجب والغرابة.
﴿وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ﴾ هم أشراف قريش.
﴿أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰۤ ءَالِهَتِكُمۡۖ﴾ فيها معنى العِناد والمطاولة والمُضيِّ في طريق الشرك ومُحاربة الوحي.
﴿إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءࣱ یُرَادُ﴾ أي: إنَّ هذه الدعوة التي جاء بها محمد
ﷺ لَشَيءٌ يُرادُ منه أمرٌ آخر، وهو انقِيادنا إليه، وخضوعنا لحُكمه ومُلكه، بمعنى أنَّهم يُشكِّكون في غايةِ النبيِّ
ﷺ ودعوته.
﴿مَا سَمِعۡنَا بِهَـٰذَا﴾ أي: الذي يقولُه محمد
ﷺ.
﴿فِی ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأَخِرَةِ﴾ في آخر ما عهِدناه من الدين، ويقصدون به هنا الدين الموروث عن آبائهم.
﴿إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا ٱخۡتِلَـٰقٌ﴾ أي: ما هذا إلا كذِبٌ.
﴿بَل لَّمَّا یَذُوقُواْ عَذَابِ﴾ بمعنى أنّهم يتطاولون كلَّ هذا التطاول؛ لأنَّهم يظنُّون أنّهم في سَعَةٍ من أمرهم، ولا يعلمون أنَّ العذاب بانتظارهم، و
﴿لَّمَّا﴾ تُفيد نفي الماضي مع توقع حصول ما نفَتْه، كأنّه يقول: إنّهم لم يذوقوا العذاب بَعدُ، لكنَّهم سيذوقُونه.
﴿أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَاۤىِٕنُ رَحۡمَةِ رَبِّكَ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡوَهَّابِ﴾ سؤالٌ استنكاريٌّ، بمعنى: هل هُم مَن يملك خزائن رحمة الله لكي يُقرِّروا مَن يختارونه للنبوَّة ومَن يستبعدون؟
﴿فَلۡیَرۡتَقُواْ فِی ٱلۡأَسۡبَـٰبِ﴾ أي: فليصعدوا في السماء إذا كانوا يملكون من أمرها شيئًا.
﴿جُندࣱ مَّا هُنَالِكَ مَهۡزُومࣱ مِّنَ ٱلۡأَحۡزَابِ﴾ أي: ليس هؤلاء المُكذِّبون سوى جُندٍ مُجتَمِعِين لنُصرة الباطل، ك
الأحزاب الذين كانوا من قبلهم مثل: قوم نوحٍ، وعادٍ، وثمودَ، وأنّهم مهزُومُون كما هُزِم مَن قبلهم، وهذه بشارةٌ بهزيمة المشركين، وقد تحقَّقَت في بدرٍ إلى فتح مكَّة.
﴿كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحࣲ وَعَادࣱ وَفِرۡعَوۡنُ ذُو ٱلۡأَوۡتَادِ ﴿١٢﴾ وَثَمُودُ وَقَوۡمُ لُوطࣲ وَأَصۡحَـٰبُ لۡـَٔیۡكَةِۚ أُوْلَــٰۤىِٕكَ ٱلۡأَحۡزَابُ﴾ تفصيلٌ لمعنى
الأحزاب الواردة في الآية السابقة، وتشبيهٌ لمُشركي قريش بهذه الأقوام.
﴿وَمَا یَنظُرُ هَـٰۤـؤُلَاۤءِ إِلَّا صَیۡحَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ مَّا لَهَا مِن فَوَاقࣲ﴾ الصيحة: نوعٌ من العذاب الماحِق الذي نزل على بعض
الأحزاب، وتخويف قريش به جارٍ على مجرى الاستحقاق، بمعنى أنّهم يستحقُّون مثل هذه الصيحة، وليس هذا إخبارًا مِن الله؛ لأنّ خبر الوحي لا يتخلَّف.
ويحتمل أنّه تذكيرٌ بالساعة ونفخة الصور التي ستُنهِي هذه الحياة، كأنّه بعد أن توعَّدهم بالهزيمة في بدرٍ وما بعدها، أخذ يُذكِّرُهم بالعذاب الأكبر.
والفَوَاق: وقتٌ محددٌ يعرفه العرب، وهو ما بين حَلْبَتي الناقة، والمقصود أنَّ العذاب إذا نزل بالمشركين فليس فيه مُهلة للتأخير ولا لتدارُك الأمر.
﴿وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبۡلَ یَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ﴾ أي: عجِّل لنا نصيبَنا من العذاب الذي تُهدِّدنا به، والظاهر أنّهم يقولون ذلك استهزاءً وتكذيبًا وتحدِّيًا؛ ولذلك جاء التوجيهُ القرآنيُّ عقِبَ قولَتهم هذه:
﴿ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا یَقُولُونَ﴾.