بعد وضع الأسس المتينة لبناء المجتمع المسلم شرع القرآن الكريم في تحذير هذا المجتمع من خطرٍ قريبٍ يتهدَّده من الخارج المتمثِّل بالقبائل والتجمعات اليهوديَّة التي كانت في المدينة وخيبر، والتي كانت تغذِّي حركة النفاق في الداخل، وتتحالف مع قريش وغيرها من القبائل المشركة في الخارج.
وقد تضمَّن هذا التحذير جوانب مختلفة في طبيعة اليهود وما يضمرونه للمسلمين، وكما يأتي:
أولًا: إنَّ اليهود أهل ضلالة وإن انتسبوا لدينٍ سماويٍّ
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ أُوتُواْ نَصِیبࣰا مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ یَشۡتَرُونَ ٱلضَّلَـٰلَةَ﴾ ومن أعظم ضلالاتهم؛ تحريفهم لكلام الله
﴿یُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ﴾ بالتأويل الباطل أو بالزيادة والنقصان، وكتابهم الموجود بين أيدينا اليوم شاهد على كلِّ هذا.
ثانيًا: إنَّ الضلالة وصلت بهم إلى حدِّ الشرك
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ أُوتُواْ نَصِیبࣰا مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ﴾ وقد مهَّد الله لهذا بقوله:
﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَغۡفِرُ أَن یُشۡرَكَ بِهِۦ وَیَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَ ٰلِكَ لِمَن یَشَاۤءُۚ﴾ والسياق كلُّهُ عن اليهود مما يدلل أن اليهود أو قسمًا منهم على الأقل قد وقعوا بالفعل في هذا الشرك.
ثالثًا: إنهم قد كفروا بما أُنزِل على مُحمدٍ
ﷺ وتمادوا في شتمه والنَّيْل منه
﴿وَیَقُولُونَ سَمِعۡنَا وَعَصَیۡنَا وَٱسۡمَعۡ غَیۡرَ مُسۡمَعࣲ وَرَ ٰعِنَا لَیَّۢا بِأَلۡسِنَتِهِمۡ وَطَعۡنࣰا فِی ٱلدِّینِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا وَٱسۡمَعۡ وَٱنظُرۡنَا لَكَانَ خَیۡرࣰا لَّهُمۡ وَأَقۡوَمَ وَلَـٰكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا یُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِیلࣰا﴾.
رابعًا: إنهم أعلنوا عداوتهم للمسلمين
﴿وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِأَعۡدَاۤىِٕكُمۡۚ﴾ وهذا في سياق تشخيص موقف اليهود من المسلمين، وقد بلغت بهم العداوة أن فضَّلوا المشركين وتمالَؤُوا معهم على المؤمنين
﴿وَیَقُولُونَ لِلَّذِینَ كَفَرُواْ هَـٰۤـؤُلَاۤءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ سَبِیلًا﴾.
خامسًا: إنهم يعملون على إضلال المسلمين وحرفهم عن صراط الله المستقيم
﴿وَیُرِیدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِیلَ﴾ وهذه لوحدها بحاجة إلى وقفاتٍ طويلة، ودراسةٍ معمَّقة لتحصين المجتمع المسلم من مخططاتهم وأساليبهم.
سادسًا: إن الدافع الأساس لموقفهم المعادي هذا إنما هو الحسد
﴿أَمۡ یَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَاۤ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ﴾.
سابعًا: إنهم جمعوا إلى الحسد كلَّ صفةٍ ذميمةٍ كالبخل
﴿أَمۡ لَهُمۡ نَصِیبࣱ مِّنَ ٱلۡمُلۡكِ فَإِذࣰا لَّا یُؤۡتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِیرًا﴾ والكذب أيضًا
﴿ٱنظُرۡ كَیۡفَ یَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَكَفَىٰ بِهِۦۤ إِثۡمࣰا مُّبِینًا﴾ومع هذا فهم أهل غرور ويمدحون أنفسهم بالباطل
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ یُزَكُّونَ أَنفُسَهُمۚ﴾.
ثامنًا: ولكلّ ذلك فقد استحقُّوا اللعن والطرد من رحمة الله والوعيد الشديد
﴿أُوْلَــٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُۖ﴾ ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُواْ بِـَٔایَـٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِیهِمۡ نَارࣰا﴾ ﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلَّذِینَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلۡنَا مُصَدِّقࣰا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبۡلِ أَن نَّطۡمِسَ وُجُوهࣰا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰۤ أَدۡبَارِهَاۤ أَوۡ نَلۡعَنَهُمۡ كَمَا لَعَنَّاۤ أَصۡحَـٰبَ ٱلسَّبۡتِۚ﴾.