﴿ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ هو ظلُّ الجنَّة الكثيف لكثرة أشجارها، وفي العبارة إشارة للأمن والسكينة من كلِّ خوفٍ وفزعٍ.
﴿فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ﴾ أي: إلى كتاب الله وسنَّة نبيِّه، ومن هنا جاء قول من قال بأن أُولي الأمر هم العلماء؛ لأنهم هم الأقدر على استنباط الحكم من الكتاب والسنَّة، والصحيح أن العلماء مرجعيَّة علميَّة وفقهيَّة، والأمر سلطة تنفيذيَّة، وضبط العلاقة بين الجهتين لا بدَّ منه لتحقيق الحكم الرشيد المستند إلى الرشد والقوة.
﴿فَكَیۡفَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ ثُمَّ جَاۤءُوكَ یَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّاۤ إِحۡسَـٰنࣰا وَتَوۡفِیقًا﴾ وهي صورة متكررة لمن يرفض التحاكم إلى دين الله، طالما أنه يرى التحاكم في غير مصلحته، فإذا وقع في المصيبة والحاجة إلى الإنصاف لجأ إلى الشرع طلبًا للحلِّ والصلح، فكأنَّه يؤمن ببعض ويكفر ببعض، وهو سلوك المذبذب وفق هواه، والتائه بين السبل والدعوات المختلفة.
وقد ذكر بعض المفسِّرين سببًا لنزول هذه الآيات: أن رجلًا حكم له الرسول
ﷺ فأَبَى، ثم جاء إلى عمر يستَقضِيه، فحكم عليه عمر بالردَّة وقَتَلَه، وهو خبرٌ لا يصحُّ سندًا ولا متنًا، فليس لعُمر أن يحكم عليه بالقتل، ثم يُنفِّذ حُكمَه من غير عِلمِ رسول الله
ﷺ.
﴿وَقُل لَّهُمۡ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِیغࣰا﴾ أي: انصَحهم فيما بينك وبينهم من غير تشهيرٍ؛ لعل هذه النصيحة تؤثِّر فيهم وتبلُغ إلى عقولهم وقلوبهم، وفي الآية من أدب الدعوة والتلطُّف حتى بهؤلاء ما لا يَخفَى على لبيب.
﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمۡ جَاۤءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ﴾ كان ذلك شرطًا في التوبة؛ لأن طاعة الرسول والتلقي عنه والائتمار بأمره واجبات عينيَّة، وبعد انتقاله
ﷺ انتقلت بعض هذه الواجبات إلى سنَّته، وبعضها الآخر إلى خليفته من بعده وكلِّ إمامٍ شرعيٍّ للمسلمين، فالسنَّة حقُّ التشريع، والإمامة حقُّ السلطة والتنفيذ.
وأما استغفاره
ﷺ فلا تخفى بركته؛ إذ دعاء المسلم لأخيه مظنّة الاستجابة فكيف بدعاء النبيِّ
ﷺ؟
﴿وَلَوۡ أَنَّا كَتَبۡنَا عَلَیۡهِمۡ أَنِ ٱقۡتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمۡ أَوِ ٱخۡرُجُواْ مِن دِیَـٰرِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِیلࣱ مِّنۡهُمۡۖ﴾ معناه: أن الناس بتركهم للوحي يقعون في المظالم فيقتل بعضهم بعضًا، ويؤذي أحدهم الآخر، ولو أنَّ الشرع أمرهم بذلك ما فعلوه، فهم بفعلهم هذا قد وقعوا في الشَّرَّين؛ شرِّ المظالم فيما بينهم، وشرِّ مخالفة الشرع.
ومؤدَّى هذا كلِّه أن الشرع إنما جاء لتحقيق السعادة والرحمة، ورفع الحرج والظلمة، وأن الذي يخالف الشرع ويتنكَّر له سيقع في الشرَّين، والله أعلم.