يذكر تعالى نعمه العظيمة على عباده بتبيين الحقِّ من الباطل بما يُري عباده من آياته النفسيَّة والآفاقيَّة والقرآنيَّة الدالَّة على كل مطلوب مقصودٍ، الموضِّحة للهدى من الضلال، بحيث لا يبقى عند الناظر فيها والمتأمِّل لها أدنى شكٍّ في معرفة الحقائق، وهذا من أكبر نعمه على عباده حيث لم يبق الحق مشتبهاً ولا الصواب ملتبساً بل نوَّع الدلالات ووضَّح الآيات؛ ليهلك من هلك عن بيِّنة ويحيا من حيَّ عن بيِّنة، وكلما كانت المسائل أجلَّ وأكبر؛ كانت الدلائل عليها أكثر وأيسر؛ فانظر إلى التوحيد، لما كانت مسألتُه من أكبر المسائل، بل أكبرها؛ كثرت الأدلة عليها العقليَّة والنقليَّة وتنوَّعت، وضرب الله لها الأمثال، وأكثر لها من الاستدلال، ولهذا ذكرها في هذا الموضع، ونبَّه على جملة من أدلتها، فقال: {فادْعوا اللهَ مخلصينَ له الدينَ}. ولما ذكر أنَّه يري عباده آياته؛ نبَّه على آية عظيمة، فقال: {وينزِّلُ لكم من السماء رزقاً}؛ أي: مطراً به ترتزقون وتعيشون أنتم وبهائمكم، وذلك يدلُّ على أن النعم كلَّها منه؛ فمنه نعم الدين، وهي المسائل الدينيَّة والأدلة عليها وما يتبع ذلك من العمل بها، والنعم الدنيويَّة كلها كالنعم الناشئة عن الغيث الذي تحيا به البلاد والعباد، وهذا يدلُّ دلالةً قاطعةً أنه وحده هو المعبودُ الذي يتعيَّن إخلاص الدين له؛ كما أنه وحده المنعم. {وما يتذكَّرُ}: بالآيات حين يُذَكَّر بها {إلاَّ مَن ينيبُ}: إلى الله تعالى بالإقبال على محبَّته وخشيته وطاعته والتضرُّع إليه؛ فهذا الذي ينتفع بالآيات، وتصير رحمةً في حقِّه، ويزداد بها بصيرة.