سورة فصلت تفسير السعدي الآية 48

وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ یَدۡعُونَ مِن قَبۡلُۖ وَظَنُّواْ مَا لَهُم مِّن مَّحِیصࣲ ﴿٤٨﴾

تفسير السعدي سورة فصلت

هذا إخبارٌ عن سعة علمهِ تعالى واختصاصِهِ بالعلم الذي لا يطَّلع عليه سواه، فقال: {إليه يُرَدُّ علمُ الساعةِ}؛ أي: جميع الخلق يَرُدُّ علمها إلى الله تعالى، ويقرُّون بالعجز عنه؛ الرسلُ والملائكةُ وغيرُهم. {وما تَخْرُجُ من ثمراتٍ من أكمامها}؛ أي: وعائها الذي تخرُجُ منه، وهذا شاملٌ لثمرات جميع الأشجار التي في البلدان والبراري؛ فلا تخرُجُ ثمرةُ شجرةٍ من الأشجار إلاَّ وهو يعلمُها علماً تفصيليًّا. {وما تحمِلُ من أنثى}: من بني آدم وغيرهم من أنواع الحيوانات إلاَّ بعلمه، {ولا تضعُ} [أنثى حملَها] {إلاَّ بعلمِهِ}؛ فكيف سوَّى المشركون به تعالى مَنْ لا علم عنده ولا سمعَ ولا بصرَ؟ {ويوم يناديهم}؛ أي: المشركين به يوم القيامةِ توبيخاً وإظهاراً لكذِبِهم، فيقول لهم: {أين شركائي}: الذين زعمتُم أنَّهم شركائي، فعبدتُموهم وجادلتُم على ذلك وعاديتُم الرسل لأجلهم ؟ {قالوا}: مقرِّين ببطلان إلهيتهم وشركتهم مع الله: {آذَنَّاكَ ما مِنَّا من شهيدٍ}؛ أي: أعلمناك يا ربَّنا واشهدْ علينا أنَّه ما منَّا أحدٌ يشهد بصحة إلهيَّتهم وشركتهم؛ فكلُّنا الآن [قد] رجعنا إلى بطلان عبادتها وتبرَّأنا منها، ولهذا قال: {وضلَّ عنهم ما كانوا يَدْعونَ}: من دون الله؛ أي: ذهبت عقائدُهم وأعمالُهم التي أفَنَوا فيها أعمارهم على عبادة غير الله، وظنُّوا أنها تفيدُهم، وتدفعُ عنهم العذاب، وتشفع لهم عند اللهِ، فخاب سعيُهم، وانتقض ظنُّهم، ولم تُغْنِ عنهم شركاؤهم شيئاً. {وظنُّوا}؛ أي: أيقنوا في تلك الحال {ما لهم من مَحيصٍ}؛ أي: منقذٍ ينقذُهم ولا مغيثٍ ولا ملجأٍ. فهذه عاقبةُ من أشركَ بالله غيرَه، يُبَيِّنُها اللهُ لعباده، ليحذروا الشركَ به.