سورة الشورى تفسير مجالس النور الآية 15

فَلِذَ ٰ⁠لِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَاۤ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَـتَّـبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبࣲۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَیۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَاۤ أَعۡمَـٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَـٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ یَجۡمَعُ بَیۡنَنَاۖ وَإِلَیۡهِ ٱلۡمَصِیرُ ﴿١٥﴾

تفسير مجالس النور سورة الشورى

المجلس الثالث عشر بعد المائتين: الوحي الإلهي لمُحمد وللأنبياء السابقين


الآية (1- 15)


يُمثِّلُ الوحيُ الموضوعَ الأساسَ لهذه السورة؛ حيث استهَلَّت السورةُ بقوله تعالى: ﴿حمۤ ﴿١﴾ عۤسۤقۤ ﴿٢﴾ كَذَ ٰ⁠لِكَ یُوحِیۤ إِلَیۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ ﴾، ثم ثنَّت بقوله تعالى: ﴿وَكَذَ ٰ⁠لِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِیࣰّا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا﴾، ثم ثلَّثَت بقوله تعالى: ﴿۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّینِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحࣰا وَٱلَّذِیۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ﴾، وأخيرًا راحَت السورة تختَتِم بما استهَلَّت به مُفصِّلةً للوحي وأنواعِه ﴿۞ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡیًا أَوۡ مِن وَرَاۤىِٕ حِجَابٍ أَوۡ یُرۡسِلَ رَسُولࣰا فَیُوحِیَ بِإِذۡنِهِۦ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ عَلِیٌّ حَكِیمࣱ ﴿٥١﴾ وَكَذَ ٰ⁠لِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ رُوحࣰا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِی مَا ٱلۡكِتَـٰبُ وَلَا ٱلۡإِیمَـٰنُ﴾.
في الآيات الأُوَل: جاء الحديث عن الوحي وامتداده التاريخي في سلسلة الأنبياء السابقين حتى كمل على عهد النبيِّ الخاتم سيدنا محمد صلى الله وسلم عليه وعلى إخوانه النبيين أجمعين، ثم جاء الحديث بعدها مُركَّزًا في الذين كفروا بهذا الوحي، وجادلوا فيه بغير حقٍّ، ثم اختَتَمَت السورة بأهل الإيمان وصفاتهم وأحوالهم، أولئك الذين استجابوا لهذا الوحي واهتَدَوا بهُداه، فهداهم الله لكلِّ خيرٍ.
أولًا: أكَّد القرآن أنَّ مصدر الوحي للأنبياء السابقين وللنبي الخاتم عليهم السلام إنّما هو الله وحده ﴿كَذَ ٰ⁠لِكَ یُوحِیۤ إِلَیۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ وهذا يقتضي وِحدة الدين، فليس هناك أديانٌ مختلفةٌ كما يتوهَّم المُتوهِّمُون، وقد أكَّد القرآن نفسه هذه النتيجة الحتميَّة ﴿۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّینِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحࣰا وَٱلَّذِیۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ وَمَا وَصَّیۡنَا بِهِۦۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَمُوسَىٰ وَعِیسَىٰۤۖ أَنۡ أَقِیمُواْ ٱلدِّینَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِیهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِینَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَیۡهِۚ ٱللَّهُ یَجۡتَبِیۤ إِلَیۡهِ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِیۤ إِلَیۡهِ مَن یُنِیبُ﴾.
وفي هذا السياق ينبغي أن نفهم طبيعة الرسالة الإسلاميَّة، فهي رسالةٌ عالميَّةٌ ممتدَّةٌ على مساحة الأرض كلِّها، وموصولةٌ بالعمق التاريخي لكلِّ الرسالات السماويَّة حتى وإن بدأت بمكَّة وكانت على لسانهم ولُغتهم ﴿وَكَذَ ٰ⁠لِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِیࣰّا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ یَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَیۡبَ فِیهِۚ فَرِیقࣱ فِی ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِیقࣱ فِی ٱلسَّعِیرِ﴾.
فمكَّة مُنطلَق الرسالة وليست الرسالة حِكرًا عليها، والعربيَّة لغة القرآن وليس القرآن حِكرًا للعرب، فهذا كلُّه منقوضٌ بالسياق، ومنقوضٌ بصريح قوله تعالى: ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الأنبياء: 107].
ثانيًا: أكَّد القرآن أنَّ الدعوة الحقّ إنّما هي الدعوة لهذا الدين بمفهومه العالمي الشامل، وبامتداداته التي تشمل الوحيَ الإلهي كلّه، والرسالات السماويَّة كلّها ﴿فَلِذَ ٰ⁠لِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَاۤ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَـتَّـبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبࣲۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَیۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَاۤ أَعۡمَـٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَـٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ یَجۡمَعُ بَیۡنَنَاۖ وَإِلَیۡهِ ٱلۡمَصِیرُ﴾.
ثالثًا: أكَّد القرآن أنّ الله سبحانه الذي أنزل هذا الوحي، وشرَّع هذا الدين هو الذي خلق هذا الخلق وأبدَعَه، وبالتالي فهو الأعلَمُ بما يصلُحُ له، بخلاف الأهواء التي تُحاول أن تُنازِع اللهَ في خلقه وملكه وأمره ﴿لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِیُّ ٱلۡعَظِیمُ﴾، ﴿فَاطِرُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا یَذۡرَؤُكُمۡ فِیهِۚ لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ ﴿١١﴾ لَهُۥ مَقَالِیدُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ﴾.
وتأكيد الترابط بين وحدانيّته سبحانه في الخلق، ووحدانيّته في الملك، ووحدانيّته في الحكم والتشريع منهجٌ قرآنيٌّ واضحٌ ومكررٌ في كثيرٍ من سور القرآن، وهو ترابطٌ منطقيٌّ أيضًا؛ فالذي يخلُق هو الذي يَملك، والذي يَملك هو الذي يتصرّف في ملكه كيف شاء.
رابعًا: ندّد القرآن بموقف المشركين الرافضين للوحي، والهائمين حول آلهتهم المزيّفة التي لا تملِك لهم نفعًا ولا ضرًّا ﴿وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَ ٱللَّهُ حَفِیظٌ عَلَیۡهِمۡ وَمَاۤ أَنتَ عَلَیۡهِم بِوَكِیلࣲ﴾، ﴿أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَۖ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡوَلِیُّ وَهُوَ یُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ﴾.
خامسًا: ثمّ ندّد القرآن بأولئك الذين آتاهم الله العلم - والإشارة هنا إلى أهل الكتاب - لكنّهم حرَّفوا رسالات الله، وفرَّقوا دينه، وأثاروا الفتنةَ بين عباده ﴿وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةࣱ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى لَّقُضِیَ بَیۡنَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِینَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِی شَكࣲّ مِّنۡهُ مُرِیبࣲ﴾.


﴿حمۤ ﴿١﴾ عۤسۤقۤ﴾ تقدَّم الحديث عن الحروف المقطَّعة والرأي الراجح فيها أول سورة البقرة.
﴿كَذَ ٰ⁠لِكَ یُوحِیۤ إِلَیۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ فمصدر الوحي لكلِّ الأنبياء واحدٌ وهو الله تعالى، وذِكْرُ العزيز الحكيم مُشْعِرٌ أنّ هذا الوحي فيه العزة والحكمة، وهما قوام الأمر.
﴿تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تُ یَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ﴾ أي: يتشقَّقنَ من أعلاهنَّ، أو يتشقَّقنَ من فوق الأرضين؛ لما فيها من شركٍ وظُلمٍ، و(تكاد) تُفيد استِعظامَ الأمر حتى كأنه يُوشِكُ أن يقَع، لكنّه لم يقَع، وهذا نظيرُ قوله تعالى في سورة مريم: ﴿وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَلَدࣰا ﴿٨٨﴾ لَّقَدۡ جِئۡتُمۡ شَیۡـًٔا إِدࣰّا ﴿٨٩﴾ تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تُ یَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا﴾ [مريم: 88- 90].
﴿وَیَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِی ٱلۡأَرۡضِۗ﴾ الإخبار باستِغفار الملائكة لمَن في الأرض يُشعِر بالودِّ والصداقة بين المؤمنين وبين ملائكة الله المُقرَّبين، وهذا الشعور له آثارُه العمليَّة الجميلة في حياة الناس.
﴿ٱللَّهُ حَفِیظٌ عَلَیۡهِمۡ﴾ رقيبٌ عليهم يُحصِي أعمالهم ويُجازيهم بها.
﴿وَمَاۤ أَنتَ عَلَیۡهِم بِوَكِیلࣲ﴾ أي: ما أنت بمُوكَّل بِهِم ولا بمسؤولٍ عن صُدودهم وإعراضِهم.
﴿قُرۡءَانًا عَرَبِیࣰّا﴾ بلُغته وفصاحته، وهذا لا ينفي عالميَّته.
﴿أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ﴾ مكّة؛ سُمِّيت بذلك لأنّها سيّدة القرى.
﴿یَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ﴾ يوم القيامة؛ سُمِّي بذلك لاجتماع الخلائق فيه.
﴿وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ﴾ كما جعل الملائكة موحِّدين على طاعة الله، ليس فيهم عاصٍ أو مُكذّب.
﴿وَلَـٰكِن یُدۡخِلُ مَن یَشَاۤءُ فِی رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرٍ﴾ هذا الاستدراك قُصِد به بيان خصوصيَّة هذا الإنسان؛ فهو مُكلَّفٌ مُختارٌ، وهو يتحمَّلُ مسؤوليَّة اختياره، وليس مجبولًا أو مُجبَرًا بطبيعة خِلقته على فعل الخير أو الشر.
﴿وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِیهِ مِن شَیۡءࣲ فَحُكۡمُهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِۚ﴾ بحكم أنّه سبحانه هو خالق الخلق، وهو أعلم بما يُصلحهم، ومن ثَمَّ أنزل لهم هذا الوحيَ، وأقامَ عليهم الحجّة به.
﴿فَاطِرُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾ منشئها من العدم، وخالقها لا على مثالٍ سابق.
﴿لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱۖ﴾ أصلٌ من أصول العقيدة الإسلاميَّة، وركنٌ من أركان التوحيد فيها، فالله ليس كمثله شيءٌ لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.
﴿لَهُۥ مَقَالِیدُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ﴾ أي: له مُلكُها وخزائنُها.
﴿یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ﴾ أي: يُوسِّع على من يشاء في الرزق.
﴿وَیَقۡدِرُۚ﴾ أي: ويُضيِّق على من يشاء.
﴿إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ﴾ فذلك البسط وهذا التقدير إنّما يجريان بعلم الله وحكمته تعالى في خلقه.
﴿۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّینِ﴾ أي: سَنَّ لكم وأوضَحَ وبيَّن.
﴿أَنۡ أَقِیمُواْ ٱلدِّینَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِیهِۚ﴾ فإقامة الدين الحقّ تنفي الفرقة؛ لأنّها تجمَعُ القلوبَ على غايةٍ واحدةٍ، وطريقةٍ واحدةٍ.
﴿كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِینَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَیۡهِۚ﴾ أي: شقَّ عليهم اتِّباع الحقّ الذي تدعُوهم إليه.
﴿ٱللَّهُ یَجۡتَبِیۤ إِلَیۡهِ مَن یَشَاۤءُ﴾ يختار الأنبياء من بين الناس ليحملوا الدين ويبلّغوا الرسالات.
﴿وَیَهۡدِیۤ إِلَیۡهِ مَن یُنِیبُ﴾ أي: يُوفِّق للدخول في هذا الدين من يطلب الهداية ويسعى لها.
﴿وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۚ﴾ بيانٌ لسبب تفرُّق أهل الكتاب مع وجود الوحي بينهم، والسبب هو البغي، بمعنى أنّ سبب تفرقهم لم يكن عن اجتهادٍ في فهم الدين، وإنما اتِّباع الهوى والمنافسة في الباطل.
﴿وَلَوۡلَا كَلِمَةࣱ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى لَّقُضِیَ بَیۡنَهُمۡۚ﴾ أي: لولا أنّ الله حَكَمَ بتأخير العذاب عنهم إلى الأجل المُحدَّد بعلم الله وقدرته لتَمَّ الفصل بينهم والحكم عليهم.
﴿وَإِنَّ ٱلَّذِینَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ﴾ هم أحفاد أهل الكتاب الذين ورثوا الكتاب عن أجدادِهم ثم عاصروا البعثة المحمديَّة.
﴿لَفِی شَكࣲّ مِّنۡهُ﴾ أي: لفي شكٍّ مِن هذا القرآن.
﴿فَلِذَ ٰ⁠لِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَاۤ أُمِرۡتَۖ﴾ ربط بين قيمة الصلاح والإصلاح؛ فالدعوة إلى الحقِّ قيمة، والاستقامة على الحقِّ قيمة أخرى.
﴿وَلَا تَـتَّـبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡۖ﴾ إشارةٌ إلى أنَّ الضد من الصلاح والإصلاح إنّما هو الهوى.
﴿وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبࣲۖ﴾ أمر بالإيمان بكلِّ الكُتب السماويَّة؛ تأكيدًا لوحدة الدين، وقد أكَّدَ هذا المعنى بقوله: ﴿ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ﴾.
﴿وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَیۡنَكُمُۖ﴾ تأكيدٌ لقيمة العدل، وقد أكَّد هذا بقوله: ﴿لَنَاۤ أَعۡمَـٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَـٰلُكُمۡۖ﴾ فتلخَّصَت في هذه الآية أربع قِيَم رئيسة: الصلاح، والإصلاح، والوحدة، والعدل.
﴿لَا حُجَّةَ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمُۖ﴾أي: لا مُحاجَجة، بمعنى أنّه إن تحقَّقَت هذه القِيَم فلا خصُومة بيننا ولا مُنازَعة؛ لأنّ المُحاجَجة لا تكون إلَّا بين خصمَين مُختلِفَين.
﴿ٱللَّهُ یَجۡمَعُ بَیۡنَنَاۖ﴾ أي: يوم القيامة فيَجزِي كلَّ عاملٍ بما عمل.