في سِياقِ الوعيد الذي توعَّدَ الله به أولئك المُكذِّبين بالقرآن، يأتي هذا التذكيرُ بعادٍ، وهم قوم هود
عليه السلام، وما جَرَى لهم جرَّاء كفرهم وعنادهم وتكذيبهم بنبيِّهم:
أولًا: يأمر الله ـ نبيَّه
ﷺ أن يَذكُر هودًا وكيف أنّه أنذر قومه كما أنذر النبيُّون السابقون أقوامهم
﴿۞ وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦۤ أَلَّا تَعۡبُدُوۤاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمࣲ﴾ وفي هذا تأكيدٌ لوحدة الرسالات السماويّة، وفيه أيضًا أهميّة النظر في التاريخ لأخذ العبرة والدرس، وفيه كذلك تسلية لرسول الله
ﷺ.
ثانيًا: يذكر القرآن أنّ عادًا كذَّبوا رسولهم وتحدَّوه أن يأتِيهم بما توعَّدَهم به
﴿قَالُوۤاْ أَجِئۡتَنَا لِتَأۡفِكَنَا عَنۡ ءَالِهَتِنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَاۤ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ﴾ فما كان ردّه عليهم إلا قوله:
﴿قَالَ إِنَّمَا ٱلۡعِلۡمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّاۤ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦ وَلَـٰكِنِّیۤ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمࣰا تَجۡهَلُونَ﴾ وفي هذا بيانٌ لوظيفة الرسول أنّه المُبلِّغ عن الله، أما الغيبُ وما يُقدِّرُه الله لهذه الأقوام فإنّما هو لله وحده.
ثالثًا: فلما أذِنَ الله بهلاكهم، رأَوا في السماء عارِضًا كالسحاب الثقيل، فظنُّوا أنّه مُغِيثُهم بالمطر، فكان فيه هلاكهم وتدميرهم
﴿فَلَمَّا رَأَوۡهُ عَارِضࣰا مُّسۡتَقۡبِلَ أَوۡدِیَتِهِمۡ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضࣱ مُّمۡطِرُنَاۚ بَلۡ هُوَ مَا ٱسۡتَعۡجَلۡتُم بِهِۦۖ رِیحࣱ فِیهَا عَذَابٌ أَلِیمࣱ﴾.
رابعًا: ثم ينتَقِل السياق ليُخاطِب أهل مكّة علَّهم يأخذون العبرة من قوم عادٍ، ومِن تلك الأقوام التي أهلَكَهم الله بظلمهم وتكذيبهم
﴿وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰهُمۡ فِیمَاۤ إِن مَّكَّنَّـٰكُمۡ فِیهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعࣰا وَأَبۡصَـٰرࣰا وَأَفۡـِٔدَةࣰ فَمَاۤ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَاۤ أَبۡصَـٰرُهُمۡ وَلَاۤ أَفۡـِٔدَتُهُم مِّن شَیۡءٍ إِذۡ كَانُواْ یَجۡحَدُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ ﴿٢٦﴾ وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا مَا حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡقُرَىٰ وَصَرَّفۡنَا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ﴾.
فأولئك الهالكون كانوا مُمكَّنين في الأرض أكثر من قريش، فما أغنى عنهم ذلك شيئًا، وكان باستطاعتهم أن يفتحوا منافذ المعرفة ليهتدوا بسماع الكلمة الطيبة ورؤية الدلائل الظاهرة، لكنّه الحسد والكبر والسخريّة التي حالَت بينهم وبين ذلك.
خامسًا: يُحاجِج القرآن هؤلاء المشركين بأنّ الآلهة المُزيّفة لو كانت تنفع شيئًا لنفَعَت أولئك الهالكين الذين أفنَوا أعمارهم بعبادتها وتقديم القرابين لها
﴿فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢۖ بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡۚ وَذَ ٰلِكَ إِفۡكُهُمۡ وَمَا كَانُواْ یَفۡتَرُونَ﴾.