سورة المجادلة تفسير مجالس النور الآية 15

أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابࣰا شَدِیدًاۖ إِنَّهُمۡ سَاۤءَ مَا كَانُواْ یَعۡمَلُونَ ﴿١٥﴾

تفسير مجالس النور سورة المجادلة

المجلس الحادي والخمسون بعد المائتين: التحذير من النفاق والمنافقين


الآية (14- 22)


هذا هو الموضوع الثاني الذي تناوَلَتْه السورة، وقد جاء لتشخيص حالة النفاق التي ظهرت بعد أن قوِيَت شوكة المسلمين، وأصبحت حالة النفاق تُشكِّلُ ما يُشبِهُ الجيب المؤذي داخل المجتمع المسلم، ومحطة لإثارة الفتن فيه، وشبكة من العلاقات الخفيَّة مع الأعداء، ويمكن تلخيص ما ورد في هذه السورة حول هذه الظاهرة بما يأتي:
أولًا: أنّ هؤلاء المنافقين قد تولَّوا أعداءَ المسلمين وانحازُوا لهم ﴿۞ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ﴾.
ثانيًا: أنّهم قومٌ مُخادِعُون مُراوِغُون كذَّابُون ﴿وَیَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ﴾، ﴿ٱتَّخَذُوۤاْ أَیۡمَـٰنَهُمۡ جُنَّةࣰ فَصَدُّواْ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ﴾ والعَجَبُ أنّهم سيحلِفُون بهذه الأَيمان أمام الله في يوم المحشر ﴿یَوۡمَ یَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِیعࣰا فَیَحۡلِفُونَ لَهُۥ كَمَا یَحۡلِفُونَ لَكُمۡ وَیَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ عَلَىٰ شَیۡءٍۚ أَلَاۤ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡكَـٰذِبُونَ﴾.
ثالثًا: أنّهم مُستحِقُّون للنار وغضب الجبَّار ﴿أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابࣰا شَدِیدًاۖ إِنَّهُمۡ سَاۤءَ مَا كَانُواْ یَعۡمَلُونَ﴾.
رابعًا: مع عذابهم الأخروي، أكَّد القرآن خسارتهم في الدنيا، وأنَّهم مهزومون مغلوبون ﴿ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَیۡهِمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَــٰۤىِٕكَ حِزۡبُ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ أَلَاۤ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ ﴿١٩﴾ إِنَّ ٱلَّذِینَ یُحَاۤدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤ أُوْلَــٰۤىِٕكَ فِی ٱلۡأَذَلِّینَ ﴿٢٠﴾ كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِیۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزࣱ﴾.
خامسًا: في مقابل هؤلاء المنافقين، بيَّن الله موقف المجتمع المؤمن وما يتميَّز به من ولاءٍ صادقٍ لله ولرسوله، وبراءةٍ صادقةٍ من كلِّ مَن يُعادِي اللهَ ورسولَه ولو كانوا أقربَ المُقرَّبين ﴿لَّا تَجِدُ قَوۡمࣰا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ یُوَاۤدُّونَ مَنۡ حَاۤدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوۤاْ ءَابَاۤءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَاۤءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَ ٰ⁠نَهُمۡ أَوۡ عَشِیرَتَهُمۡۚ﴾.
فلما رأى الله صِدقَ هؤلاء المؤمنين في ولائهم له ولرسوله، كتَبَ لهم التأيِيدَ في الدنيا، والسعادة الأبديَّة في الآخرة، لقد تولّاهم كما تولَّوه، ونصَرَهم كما نصَروه، وأحبَّهم كما أحبُّوه، والجزاء من جنس العمل ﴿أُوْلَــٰۤىِٕكَ كَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَأَیَّدَهُم بِرُوحࣲ مِّنۡهُۖ وَیُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَــٰۤىِٕكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَاۤ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾.


﴿۞ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِم﴾ نزلت في التنبيه إلى خطر المنافقين؛ حيث ارتبطوا بولاءاتٍ خفيَّةٍ مع اليهود.
﴿مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ﴾ بمعنى أنّ اليهود ليسوا منكم، وليسوا من المنافقين، والتعجُّب هنا من أنَّ هؤلاء المنافقين والَوْا قومًا لا يجتمعون معهم في دينٍ ولا في نسبٍ على قومٍ تجمَعُهم بهم أواصِرُ النَّسَب، وإن اختلفوا في الدين.
﴿وَیَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ﴾ أي: يحلفون لكم أنّهم منكم، لكنّهم كاذبون ويعلمون أنّهم كاذبون.
﴿ٱتَّخَذُوۤاْ أَیۡمَـٰنَهُمۡ جُنَّةࣰ﴾ أي: اتّخذوا أَيمانهم الكاذبة لكم وقايةً لهم عن مُعاقبتهم.
﴿فَصَدُّواْ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ﴾ أي: كان بقاؤهم معكم للصدِّ عن سبيل الله بتخذيل المؤمنين، وإشاعة الشكِّ والوهن فيما بينهم.
﴿یَوۡمَ یَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِیعࣰا فَیَحۡلِفُونَ لَهُۥ كَمَا یَحۡلِفُونَ لَكُمۡ﴾ أي: يحلفون لله يوم الحساب أنّهم كانوا مؤمنين، كما يحلفون لكم اليوم، وهذه حماقةٌ ما فوقها حماقة، وجهالةٌ ما فوقها جهالة.
﴿ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَیۡهِمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ﴾ غلَبَ عليهم وتمكَّن منهم.
﴿أُوْلَــٰۤىِٕكَ حِزۡبُ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ﴾ أعوانه وجنده وأنصاره.
﴿كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِیۤۚ﴾ أي: قضى الله بالنصر والغلبة لدينه ولرسله عليهم السلام، وقضَى بالهزيمة والخسران على حزب الشيطان.
﴿لَّا تَجِدُ قَوۡمࣰا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ یُوَاۤدُّونَ مَنۡ حَاۤدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوۤاْ ءَابَاۤءَهُمۡ﴾ بمعنى أنّ المؤمن الصادق لا يمكن أن يُحبَّ الذين يحاربون الله ورسوله ولو كان فيهم أبوه، وهذا ليس عامًّا في كلِّ الكافرين، بل في المُحارِبين منهم والمُعادِين لله ولرسوله، أمَّا الكافر المسالم فالأَولَى إدامة الصلة معه، ومعاملته بالحسنى علَّ الله يهدي قلبه لهذه الدعوة المباركة.
﴿أُوْلَــٰۤىِٕكَ كَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَأَیَّدَهُم بِرُوحࣲ مِّنۡهُۖ﴾ أي: هؤلاء الذين امتُحِنوا في آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشيرتهم فاختاروا الله ورسوله، هؤلاء ثبَّتَ الله في قلوبهم إيمانهم، وأيَّدهم بمدَدٍ من عنده.
﴿أُوْلَــٰۤىِٕكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ﴾ أي: أنصار الله وأحبابه وأولياؤه.
﴿أَلَاۤ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ الفائزون في الدنيا والآخرة.