يقول تعالى: {ويوم يحشُرُهم جميعاً}؛ أي: جميع الثقلين من الإنس والجن، مَنْ ضلَّ منهم ومَنْ أضلَّ غيره، فيقول موبخاً للجنِّ الذين أضلُّوا الإنس وزيَّنوا لهم الشرَّ وأزُّوهم إلى المعاصي: {يا معشر الجنِّ قد استكثرتُم من الإنس}؛ أي: من إضلالهم وصدِّهم عن سبيل الله؛ فكيف أقدمتم على محارمي، وتجرَّأتم على معاندة رسلي، وقمتم محاربين لله، ساعين في صدِّ عباد الله عن سبيله إلى سبيل الجحيم؟! فاليوم حقَّت عليكم لعنتي، ووجبت لكم نقمتي، وسنزيدكم من العذاب بحسب كفرِكُم وإضلالكم لغيرِكم، وليس لكم عذرٌ به تعتذِرون، ولا ملجأ إليه تلجؤون، ولا شافع يشفع، ولا دعاء يُسمع! فلا تسأل حينئذٍ عما يحل بهم من النَّكال والخِزْي والوَبال، ولهذا لم يذكِر الله لهم اعتذاراً، وأما أولياؤهم من الإنس؛ فأبدوا عذراً غير مقبول، فقالوا: {ربَّنا استمتعَ بعضُنا ببعض}؛ أي: تمتَّع كلٌّ من الجني والإنسي بصاحبه وانتفع به؛ فالجنيُّ يستمتع بطاعة الإنسيِّ له وعبادته وتعظيمه واستعاذته به، والإنسيُّ يستمتع بنيل أغراضه وبلوغه بحسب خدمة الجنيِّ له بعض شهواته؛ فإن الإنسيَّ يعبُدُ الجنيَّ فيخدمُهُ الجنيُّ ويحصِّلُ له بعض الحوائج الدنيويَّة؛ أي: حصل منا من الذنوب ما حصل، ولا يمكن ردُّ ذلك. {وبَلَغْنا أجَلَنا الذي أجَّلْتَ لنا}؛ أي: وقد وصلنا المحل الذي تُجازي فيه بالأعمال؛ فافعل بنا الآن ما تشاء، واحكم فينا بما تريدُ، قد انقطعت حُجَّتُنا، ولم يبق لنا عذرٌ، والأمر أمرُك والحكم حكمُك، وكأَن في هذا الكلام منهم نوع تضرُّع وترقُّق، ولكن في غير أوانه، ولهذا حكم فيهم بحكمه العادل، الذي لا جَوْر فيه، فقال: {النارُ مَثْواكم خالدين فيها}، ولما كان هذا الحكم من مقتضى حكمتِهِ وعلمِهِ؛ ختم الآية بقوله: {إنَّ ربَّك حكيمٌ عليمٌ}؛ فكما أن علمه وسع الأشياء كلَّها وعمَّها؛ فحكمتُهُ الغائيةُ شملت الأشياء، وعمَّتها، ووسعتها.