أي: جميع الحيوانات الأرضية والهوائية من البهائم والوحوش والطيور كلُّها أممٌ أمثالُكم، خلَقْناها كما خلَقْناكم، ورزقْناها كما رزقناكم، ونفذتْ فيها مشيئتُنا وقدرتُنا كما كانت نافذة فيكم. {ما فرَّطْنا في الكتاب من شيء}؛ أي: ما أهملنا ولا أغفلنا في اللوح المحفوظ شيئاً من الأشياء، بل جميعُ الأشياء ـ صغيرها وكبيرها ـ مثبتةٌ في اللوح المحفوظ على ما هي عليه، فتقع جميع الحوادث طِبْقَ ما جرى به القلم. وفي هذه الآية دليلٌ على أن الكتاب الأول قد حوى جميع الكائنات، وهذا أحدُ مراتب القضاء والقدر؛ فإنها أربعُ مراتب: علمُ الله الشامل لجميع الأشياء، وكتابُهُ المحيط بجميع الموجودات، ومشيئتُهُ وقدرتُهُ النافذة العامَّة لكلِّ شيءٍ، وخَلْقُه لجميع المخلوقات حتى أفعال العباد. ويُحتمل أنَّ المراد بالكتاب هذا القرآن، وأنَّ المعنى كالمعنى في قوله تعالى: {ونَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبيْاناً لِكُلِّ شيءٍ}. وقوله: {ثمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرونَ}؛ أي: جميع الأمم تُحشر وتُجمع إلى الله في موقف القيامة، في ذلك الموقف العظيم الهائل، فيجازيهم بعدلِهِ وإحسانِهِ، ويُمضي عليهم حُكمَهُ الذي يَحْمَدُه عليه الأولون والآخرون؛ أهل السماء وأهل الأرض.