﴿یُسَبِّحُ لِلَّهِ﴾ يُنزّه الله عن كلِّ صفةٍ لا تلِيقُ به سبحانه.
﴿لَهُ ٱلۡمُلۡكُ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُۖ﴾ قرَنَ الحمدَ بالمُلك؛ للتنبيه أنّ مُلك الله تعالى لهذا الخلق هو مُلكُ عدلٍ ورحمةٍ، وليس مُلك ظلمٍ وعذابٍ، ومِن ثَمّ فالله مُستحِقٌّ للحمد مع المُلك، بخلاف ملوك الأرض الذين يتسلَّطون على من تحت أيديهم بالتعسُّف والطغيان.
﴿هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرࣱ وَمِنكُم مُّؤۡمِنࣱۚ﴾ أي: خلقكم وأودَعَ فيكم القدرةَ على الاختيار؛ فمنكم من اختار الإيمان بإرادته، ومنكم من اختار الكفر بإرادته، وما ربّك بظلامٍ للعبيد.
﴿خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ﴾ أي: بالعدل والسُّنن الثابتة التي تحفظ استقرارها واستمرار الحياة فيها.
﴿وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ﴾ يمتنُّ الله على بني آدم أن خلَقَهم على هذه الصورة التي لا مثيل لها في المخلوقات، وهي صورةٌ تُمكِّنُ الإنسان من وظيفته في إعمار الأرض، وصنع الحضارات، فقوام الإنسان كلّه وكلّ أعضائه مُركَّبة بما يخدم الإنسان ليكون سيَّد هذه الأرض، إضافةً لما في هذا القوام من حُسنٍ وجمالٍ.
﴿وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾ أي: بما هو مكنونٌ في الصدور من النوايا والخواطر، وما يكتمه الإنسان من حُبٍّ وكرهٍ، وحُسن نيَّةٍ، أو سوء طويَّةٍ.
﴿فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ﴾ أي: ذاقوا العذاب الذي هو عاقبة أمرهم في هذه الدار.
﴿وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ﴾ أي: في الآخرة.
﴿فَقَالُوۤاْ أَبَشَرࣱ یَهۡدُونَنَا﴾ استنكَروا أن يبعَثَ الله إليهم رسُلًا من البشر، ولم يستنكِرُوا على أنفسهم أن يتَّخِذوا آلهةً من الحجر!
﴿فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِیۤ أَنزَلۡنَاۚ﴾ بيَّنَ لهم طريقَ الخلاص والنجاة؛ وهو أن يؤمنوا بالله المرسِل، وأن يؤمنوا بمحمدٍ الرسول، وأن يؤمنوا بالقرآن الرسالة، وهو النور الذي أنزَلَه على قلبِ محمدٍ
ﷺ.
﴿یَوۡمَ یَجۡمَعُكُمۡ لِیَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَ ٰلِكَ یَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ﴾ هو يوم القيامة، سُمِّي بيوم الجمع؛ لأنّ الخلائق كلها من أوَّلِها إلى آخرها وعلى مرِّ أجيالها تُجمَع فيه، وسُمّي يوم التغابن؛ لأنّه يوم الغَبن، والغَبن: الخسران؛ حيث سيرى أهل النار خسارتهم، وذهاب ما كانوا يعوِّلون عليه ويتخذونه وليًّا وشفيعًا.
وجاء الاسم بصيغة التفاعُل (التغابن) وهي صيغة المشاركة؛ لأنّهم كانوا شركاء في هذا الخسران؛ حيث كانوا يتواصَون بالباطل، فكلُّ واحدٍ منهم يغوِي صاحبه، ويُزيِّن له طريقَ الكفر والضلال.
﴿مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱلـلَّـهِۗ﴾ أي: ما يقَع من مُصيبةٍ إلَّا بإذن الله ووفق حكمته وسُنَّته في الحياة، ومناسبة التذكير بهذه الحقيقة: أنّ المسلمين الذين أصابَهم المشركون بالأذى في مكّة كانوا يسألون: متى يُنزِلُ الله عقابَه في هؤلاء الظالمين؟ وكانت قريش تقول: لو كان هؤلاء على الدِّين الذي يحبُّه الله لدافع عنهم، فهذه صورةٌ من صور الصراع بين أهل الإيمان وأهل الكفر.
وقد جاء الجواب أنّ كلّ هذا الذي جرَى للمسلمين كان بعلمِه سبحانه، ولحكمةٍ يعلمُها هو، وفي هذا تسليةٌ للمؤمنين، وبشارةٌ ضمنيَّةٌ لهم أنّ الله لا يريد بهم إلّا خيرًا.
﴿وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ یَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ﴾ لهذا الفَهم، فيُسلِّم لله ويطمئن إلى قضائه وحكمه.
﴿وَأَطِیعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِیعُواْ ٱلرَّسُولَۚ﴾ وطاعة الرسول هي من طاعة الله؛ لأنّه
ﷺ لا يأمُر بشيءٍ من نفسه، بل هو المبلِّغ عن الله؛ ولذلك جاء بعدها:
﴿فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَـٰغُ ٱلۡمُبِینُ﴾.
﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَ ٰجِكُمۡ وَأَوۡلَـٰدِكُمۡ عَدُوࣰّا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ﴾ نزَلَت هذه الآية في بعض المسلمين الذين أرادُوا الخروجَ من مكّة فمنَعَتْهم نساؤهم وأولادهم، فأنزل القرآنُ هؤلاء الأزواج والأولاد منزلةَ العدوِّ؛ لأنّهم كانوا السبب في حِرمانهم من خيرٍ كثيرٍ كان المهاجرون قد سبَقُوهم إليه، فتعلَّموا القرآن، وعايَشُوا نزولَ الوحي، وجاهَدُوا في سبيل الله، والعدوُّ إنّما هو الذي يُريد شرًّا بعدوِّه، وإن كان بلباسٍ آخر، وتحت عنوانٍ آخر.
﴿وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ﴾ لأنّ هؤلاء بعد أن رأَوا كيف شرَّفَ الله إخوانَهم المهاجرين بفَهم القرآن، وأكرَمَهم بأجر الجهاد، وهم قد تخلَّفوا عن كلِّ ذلك همُّوا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم، فرغَّبهم الله في العفو والغفران.
﴿إِنَّمَاۤ أَمۡوَ ٰلُكُمۡ وَأَوۡلَـٰدُكُمۡ فِتۡنَةࣱۚ﴾ الفتنة هنا: الاختبار، وليس فيها ذمٌّ للمال والولد؛ إذ كلّ الحياة - وبكلّ ما فيها - إنّما هي فتنةٌ؛ الغنى والفقر، والصحة والمرض، وإنّما العبرةُ بعاقِبة الأمر.
﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ﴾ لأنّ الله لا يكلِّف نفسًا فوق وسعها، والتقوى هي: اسمٌ جامعٌ لكلِّ عملٍ يُحبُّه الله، وهي في قلبِ المؤمن تعنِي: الرقابة والحسّ المُرهَف الذي يحُولُ بين المرء وبين ما يُغضِب الله، ومن التقوى مخافةُ الله، والحذرُ مما يُغضِبُه تعالى في تعامُل المسلم مع أمواله وأهل بيته.
﴿وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِیعُواْ﴾ لأنّ الطاعة الحَقَّة لا تكون إلَّا بأمر، فسماع الأمر وفهمه أولًّا ثم العمل به؛ فمَن سمِعَ الأمر ولم يعمل به كان سماعه حجَّة عليه، ومن عمل ما يظنُّه قُربَى من غير معرفةٍ بالأمر كان عملُه مُبتدعًا وليس بطاعة؛ إذ لا يتصوَّر في الطاعة تجرُّدها عن الأمر، ومن هنا كانت خطورة الابتداع في الدين؛ لأنّ المبتدع إنّما يُطيع نفسه، ولا يُطيع الله.
﴿وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَــٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ أي: ومن يسلِّمه الله من داء الشحِّ فأولئك عند الله هم الفائزون.
﴿إِن تُقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰا﴾ شبَّه الصدقةَ بالقرض الحسن؛ لأنّ المتصدِّق ينتظر الثواب على صدقته، كالمقرض الذي ينتظر الوفاء بقرضه.
﴿یُضَـٰعِفۡهُ لَكُمۡ﴾ أي: يُضاعف أجركم فيه.
﴿وَٱللَّهُ شَكُورٌ﴾ يشكرُ لكم عملكم الصالح، ويُثيبكم عليه.
﴿حَلِیمٌ﴾ اسمٌ من أسمائه تعالى يدلُّ على الحلم، ومعناه هنا ألا يُعجِّل بعقوبة المقصِّر أو المسيء، بل يُمهله لعلَّهُ يتوب.
﴿عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ فلا يفوته شيءٌ سبحانه، ولا يُعجِزُه شيءٌ، وكلُّ شيءٍ عنده بميزان عدلٍ مستقيمٍ.